أنت هنا

قراءة كتاب ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية

ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية

كتاب " ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية " ، تأليف ابن رشد نقله إلى العربية عماد نبيل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

بنية الكون الطبيعية

فلسفة أرسطوطاليس الطبيعية

تتجسّد فلسفة أرسطو الطبيعية في سلسلة من الكُتب المتنوعة، يقف على رأسها كتاب «الطبيعة» الضخم. هذا الكتاب، بالواقع، كان يعرف في المصادر العربية بكتاب «السماع الطبيعي» بالإشارة إلى تدريس وتعاليم أرسطو الشفاهية في مدينة ليسيم اليونانية. بالإضافة إلى كتاب «الطبيعة»، ينبغي إضافة إلى قائمة المؤلفات في الحقل الطبيعي لأرسطو كتاب «الكون والفساد»، و«الآثار العلوية»، و«السماء والعالم» و«في جوهر الأجرام السماوية»، حيث قام الفيلسوف ابن رشد في التعليق عليها كلها.

يفتتح ابن رشد كتاب «تلخيص الطبيعة» بالقول: إن غرضه الرئيسي في هذا الكتاب هو مناقشات الأقوال العلمية الموجودة في هذا الكتاب، وتجنب الإشارة إلى الفلاسفة السابقين أو السالفين لأرسطو من حيث أن مناقشاتهم كانت لا تتناول جوهر البحث في مجال الطبيعة، أو أن مجمل آراءهم هي آراء جدلية أكثر من كونها آراء برهانية. والسبب الآخر، الذي كان ذا أهمية كبيرة بالنسبة لابن رشد ويلح عليه في مسألة شرح فلسفة أرسطو الطبيعية بشكل دقيق، هو أن بعض الفلاسفة ويقصد ابن رشد هنا الفيلسوف أبو حامد الغزالي، كان هدفه في كتابه «مقاصد الفلاسفة» هو القيام بتلك المهمة، لكن الغزالي فشل في إنجاز تلك المهمة على حد تعبير ابن رشد.

وبصرف النظر عن هذه الملاحظة القابلة للجدل بالطبع، يمضي ابن رشد ويؤكد أن أياً كان مهتماً في دراسة الطبيعة ينبغي له أولاً أن يطلع وبشكل واسع على المنطق. ثم يمضي ليؤكد أنه بعد الانتهاء من دراسة المنطق سيكتشف أن المعرفة اليقينية أو العلمية لأي موجود كان تقود إلى معرفة أسبابه الأولية ومن ثم بمعرفة أسبابه القريبة والعناصر التي يتكون منها.

وفيما يتعلق بنظام التعاليم الذي ينبغي أن يتم اتباعه هنا أي في علم الطبيعة، يمضي ابن رشد بالقول إنه يجب أن نبدأ مع الأمور التي هي معروفة جيداً لنا، بغض النظر عما إذا كانت معروفة جيداً في الطبيعة أو لا. هذه الأمور تشمل في الواقع المبادئ الكلية، والتي هي سمة للجزئيات أكثر من كونها سمة للكليات. لهذا السبب، طبقا لابن رشد، يبدأ أرسطو بتعريف الطبيعة، ثم يمضي لمناقشة المبادئ الأولى للموجودات الطبيعية، ويعني بها المادة الأولى والمحرك الأول. أما فيما يتعلق في الصور الأولى والغاية القصوى الكامنة تحت العمليات الطبيعية، فإن مناقشتها تعود طبقاً لرأي ابن رشد إلى «علم اسمى» ويعني به «العلم الكلي» أو «الفلسفة الأولى»، أو بعبارة أدق الميتافيزيقا. إن الغاية الرئيسية للطبيعة، هي البحث والاستقصاء في طبيعة الموجودات المتحركة والغاية التي تروم إليها أو تقصدها من حيث هي موجودات متحركة. وعلى الرغم من ذلك، فإن أرسطو بدأ مهمته في علم الطبيعة بمناقشة المادة الأولى، لأنها أكثر المبادئ وضوحاً في الموجودات الطبيعية. فالفلاسفة القدماء، والذين يقصد بهم بلا شك، الفلاسفة قبل سُقراط أو الفلاسفة الايونيين، بدءًا من طاليس وانتهاء بأمبادوقليس، كما يعرضهم أرسطو في الجزء الأول، الفقرة السادسة، من كتابه «الطبيعة»، الكل يبدأ فلسفته، بشكل مماثل، بمناقشة المادة.

وطبقاً لرأي ابن رشد، إذا كان الموضوع الرئيسي لفلسفة الطبيعة هو الموجودات المتحركة، كما تمّ ذكر ذلك سابقاً، فإنه ينبغي بالأحرى لصاحب العلم الطبيعي أن يبحث ويستقصي في الأنواع المختلفة للحركة التي تتعرض لها تلك الموجودات. وهكذا، فإن تلك الموجودات هي عرضة للتغير والتحول، والذي هو نوع من أنواع الحركة، وينقسم بدوره إلى نوعين: (1) التحول العرضي، والذي يكون ملازماً ضمنياً أساسياً في الموضوع؛ (2) التحول الجوهري، والذي يقوم بتحويل الموجود الفردي، كحامل للتغير أو التكون، بشكل عام. والنوع الأول يتطلب القوام أو المادة الأولى (الهيولي)، فيما يكون النوع الثاني مماثل إلى الجوهر وسابق له، بما أنه من الصعب قبول فكرة «أن لا شيء يأتي من لا شيء» أو من أي موضوع آخر باتفاق. لأنه إذا كان ممكناً أن يأتي لا شيء من لا شيء أو من أي موضوع اتفاقا، فإنه سوف يكون ممكناً للصدأ، على سبيل المثال، أن يأتي من اللانحاس، والشخص المتعلم من الشخص غير المتعلم، وهذا بطبيعة الحال منافٍ للعقل. وابن رشد يتفق مع أرسطو أنه في عمليات التغيُّر والتكوّن تتبع الطبيعة، في الحقيقية، طريقاً واحداً أو نمطاً واحداً في إنجاز غايتها.

ويوضح ابن رشد، أن الجزء الذي يعاني التغيُّرات في الموجود هو بالأحرى الصورة؛ في حين أن الجزء الذي يبقى ثابتاً وغير خاضع للتغيُّر هو المادة. وهذا الأخير ليس موضوعاً للكون والفساد، لكن فقط للتحول والتغيُّر، بعبارة أخرى، أن المادة هي استعداد لتقبل الصور. إذن، أصبح من الضروري أن نضع موضوعاً نهائياً لعملية الكون والفساد، يكون في حالة القوة والاستعداد لكل الأشياء ولا يمكن لهذا الموضوع أن يوجد بالفعل إلا من خلال الصورة. هذا الموضوع أو القوام هو بالحقيقة المادة الأولى، والتي هي مساوية للقوة الصرفة، أو الاستعداد لاستقبال عدد غير محدود من الصور في عملية تعاقبية. مع ذلك فإن المادة الأولى تختلف عن العدم، من حيث إن العدم هو أمر عرضي صرف، بالخلاف مع المادة الأولية التي هي شرط أساسي وضروري مسبق لعملية الكون والفساد4.

وفي كتاب «جوامع كتاب الكون والفساد» واصل ابن رشد مناقشته لمفهومي المادة والصورة، بالإضافة إلى ذلك ناقش ذات المسألة في الجزء الرابع من كتاب «الآثار العلوية». ففي هذا الكتاب، يعطي أرسطو ـ على حد تعبير ابن رشد ـ تعليلاً وافياً للطريقة التي تشتق أو تنبثق فيها الموجودات الطبيعية من الموجودات التي تمتلك أجزاء مماثلة، أي الجواهر غير العضوية والتي تنبثق منها أشياء مختلفة الأجزاء أو جواهر عضوية. وفي كتاب «السماء والعالم» يناقش أرسطو بالتفصيل العناصر الأربعة: الماء والهواء والنار والتراب، وعملية تحولاتها من الواحد إلى الآخر، والتي كان قد ناقشها ابن رشد مسبقاً في كتابه «تلخيص الكون والفساد». وهذه التحولات يُقال عليها بأنها الحركة في مقولة الجوهر، أو تحول من العدم إلى الوجود. وهذه الحركة في الجوهر تختلف، في الواقع، تماماً عن أنواع الحركة الأخرى، مثل حركتي النمو والتغيُّر، من حيث إن موضوعها يتغيّر تماماً وبشكل جوهري. هنا، في الواقع، ينتقد أرسطو الفلاسفة القدماء، ويقصد بهم على وجه التحديد الفلاسفة الطبيعيين قبل سقراط، لأنهم لم ينجحوا في التمييز بين عملية الكون كتغيير جوهري من جهة وأنواع التغيُّرات الكمية والكيفية من جهة أخرى. بعض هؤلاء الفلاسفة القدماء اكتفى بوضع عنصر واحد، مثل الهواء والذي من خلال التخلخل والتكثيف، كما يفهم انكسمندريس في الواقع حدوث عملية الكون والفساد في تعاقب. بينما آخرون مثل ديمقريطيس والذريين (أصحاب المذهب الذري) اختزلوا عملية الكون والفساد إلى عملية أبدية من الاتصال والانفصال للذرات والتي منها تنبثق العناصر الطبيعية5.

الصفحات