كتاب " مقالات الإصلاح السياسي " ، تأليف صلاح بن يوسف الجودر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مقالات الإصلاح السياسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

مقالات الإصلاح السياسي
بحر من الفساد، فأين المحارب؟
في أعمال الفصل التشريعي الأول (2002م) لمجلس النواب الذي كثرت فيه الأطروحات والنزاعات الطائفية التي أشغلت الرأي العام عن مطالبه الرئيسية، مثل السكن والوظيفة ورفع مستوى المعيشة، في تلك الفترة فُتح ملف من أخطر الملفات يتضمن أموال الشعب وتحويشة العمر، فتح ملف إفلاس صندوقي التأمينات والتقاعد، فأخذ أصحاب المعاشات التقاعدية في الاتصال بأصحاب السعادة النواب مستفسرين عن مصير اشتراكاتهم، وعن الباقي من أموالهم، هل هي في الحفظ والصون أم هي في مغارة الأربعين حرامي؟!، حينئذ ظهر رئيس مجلس النواب (السيد خليفة الظهراني) مطمئناً الجميع بأن: (التحقيق سيجري إلى نهاية الشوط)، وقال عن اللجنة المكلفة هذا الملف: (لن تتراجع عن القيام بواجبها).
وفعلاً قامت اللجنة بدراسة ملف التأمينات والتقاعد، ففتشت في الأوراق، ونقبت في المستندات، وراجعت الأرقام والحسابات، واستعانت بالخبراء الاكتوارين والمحاسبين، حتى ارتفعت التصريحات النارية لبعض النواب من على المنابر الدينية (لكونهم خطباء جمع ونواب شعب) وفي المجالس والمنتديات، بأن يد السارق ستقطع تطبيقاً للشريعة الإسلامية!!، وأكثر من ذلك خرج علينا أصحاب الأصوات العالية والأعصاب المنفلتة مهددين بحرق (بشوتهم)، أو بتقديم استقالاتهم، أو مقاطعين لجلسات المجلس النيابي، وفي النهاية هدأت العاصفة، واختفى المزايدون (كعادتهم)، وانتهى ذلك الضجيج الذي سمعناه ولم نر معه طحناً سياسياً!!.
واليوم ونحن نتصفح تقرير ديوان الرقابة المالية الثالث نكتشف بأن ملف صندوقي التأمينات والتقاعد لم يتغير، وبأن العجز حاصل لا محالة بعد خمس وعشرين سنة، وكأنك يا بو زيد ما غزيت، فأين أعمال اللجنة السابقة؟، وأين توصياتها؟، وأين تطميناتها؟، لقد كان ملفاً يحسبه الظمآن ماء، فالحقيقة المرة التي سنتجرعها يوماً ما ونحن نرى التقرير تلو التقرير هي زيادة نسبة الاشتراك من 18 إلى 21 وإما الإفلاس؟!.
مع مرارة التقرير، وأسى مما جاء فيه من سلبيات وممارسات خاطئة إلا أنه (التقرير) جاء بامتياز مع مرتبة الشرف، لقد كشف التقرير الكثير من السلبيات والأخطاء والممارسات في الوزارات والمؤسسات الحكومية التي هي سبب واضح (كما جاء في التقرير) للمحسوبية والرشى وشراء الذمم، فالتقرير الذي كشف أن قرابة الأربعين مؤسسة ووزارة حكومية بها هذا الكم الهائل من الأخطاء المالية والإدارية لهو تقرير في محاربة الفساد وإصلاح الوطن يساوي وزنه ذهباً.
لسنا من أصحاب النظارات السوداء حينما نبدأ بتحليل تلك التقارير، ولسنا من المتشائمين ونحن نتدارس تلك الأرقام والحسابات، وإن كانت قراءة ذلك التقرير بالذات لا تحتاج إلى كثير عناء أو تعب، أو تحليلات مدقق أو محاسب، فكل الأمور فيه أوضح من الشمس في كبد السماء، ولكنه في حاجة إلى شجاعة رجل لا يخاف في الله لومة لائم، فيوجه أسئلته إلى الوزير المعني، مباشرة وأمام الملأ، و من دون خوف أو تردد، وفق ما أعطاه إياه الدستور والقانون من صلاحيات، لا أن تكون الأسئلة بشكل استجداء أو ترجٍ في المجالس الخاصة والغرف المغلقة في الطابق الأول إلى اليمين من المصعد!!.
لن نبكي على اللبن المسكوب، ولن نلطم الخدود أو نشق الجيوب، فهذا ليس مسلكنا، ولكنا سنقف مع كل نائب ذي إرادة مستقلة يريد الخير لهذا الوطن، فيبدأ بنقد ذاته قبل شتم الآخرين، وتوجيه النقد إلى كتلته قبل النيل من رموز العمل الوطني بالسب والشتيمة، عليه أن يسأل نفسه أين ذهبت تلك الأموال التي تحدث عنها تقرير الرقابة المالية؟، ومن المستفيد منها؟، ومتى تعود إلى أماكنها الطبيعية؟، هذه كلها أسئلة مشروعة يوجهها نائب إلى وزير!!.
لقد نادينا جميعاً بالإصلاح حينما صوتنا على ميثاق العمل الوطني، وقلنا نعم مع جلالة الملك في مشروعه الإصلاحي، وقلنا إننا دعاة إصلاح وتقويم منذ اليوم الأول للميثاق، نعلم بأن الإصلاح الذي نادينا به قبل خمسة أعوام وصوتنا من أجله على ميثاق العمل الوطني الذي دشنه جلالة الملك لن تكون طرقه ممهدة، ولا العقليات متقبلة، لا، لكن أول طرق الإصلاح هو المكاشفة والمصارحة، وهذا التقرير كان قمة في المكاشفة والمصارحة، يؤلم، يزعج، يقلق، ولكنه في الوقت ذاته بداية الإصلاح، ونحن ندقق في التقرير لم تكن نظرتنا من أجل الشماتة أو التصفيات الشخصية لبعض المسؤولين، ولم نكن في الجهة الأخرى (موالين) لنبحث عن الأعذار والمبررات لهذا المسؤول أو ذلك، ولكن من أجل أن يكون الإصلاح صحيحاً لا بد أن نبدأ بالرقابة حتى وإن تأخرنا قليلاً عن التشريع.
فإذا كان تقرير الرقابة المالية بهذه الشفافية والمكاشفة فإن المسؤولية اليوم على نوابنا الأفاضل الذين ضمنوا برامج عملهم الانتخابي محاربة الفساد المالي والإداري، فهل نجد محارباً أم مقايضاً وبائعاً للملفات والتقارير؟؟.