قراءة كتاب السيف والرصاص

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
السيف والرصاص

السيف والرصاص

كتاب " السيف والرصاص " ، تأليف أبو العباس برحايل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

- سيدي!.. قالها بلغة الغين، لكن أثر التكلف كان بادياً، بل إن اللفظة أشربت باللهجة المحلية حتى بدت في غاية السماجة في الواقع، وتساءلت في سري: أيمكن أن يحدث هذا في الشعيبة. وتطلعت إلى الصحائف على المحسب، كانت مرصوصة بأنواع المرطبات والمعجنات، وأردت أن أستفزه بما لا يفهم من لغة، فقلت:

- كوب قهوة باللبن الحليب مع هلالية!..

وبدا أنه لم يفهم لغة الأعراب هذه، فأشرت إلى جهة المحسب وعينت كالبكم ما أبتغي بالإشارة، فراح يسمي المعجنات بلغته، فقلت بمرارة ممزوجة باللامبالاة:

- ما شئت لا ما شاءت الأعراب!..

وصاح بالطلب بلغته الفرنسية المعتمدة الدخيلة كلياً على الشعيبة.. ما لم تستطع فرنسا أن تزرعه بنفسها استطاع هؤلاء الخدم النادلون أن يزرعوه بولاء مجاني.. الخادم الذليل، العبد الحقير وحده هو من يعتمد لغة سيده ناسياً لغة قومه الذين ينتسب إليهم.. وفي الانتظار، رحت أتملى بعيني هذه الفسيفساء الجميلة المعروشة فوق الأقواس، ووقع نظري على نسخة من الملصق الذي رأيته في المسجد، ترى ما تكون الدعوة التي يشير إليها؟.. لكن حواراً في الطاولة المجاورة كان قد استمال أذني:

قال الأول: - كانت ساحقة بكل المقاييس!..

الثاني: - استطاع الثعلب المتمسكن أن يجند ناخبي أكبر بلديتين في الدائرة.

الثالث: - بل حاز أصواتاً معتبرة حتى ها هنا في قلب الشعبة، ومن أبناء جلدتنا الزواتنية..

وقال النادل يعزف على الوتر نفسه الذي يعزف عليه الشخوص الثلاثة، وهو يضع كوب اللبن الحليب وصحن الفطيرة الهلالية أمامي وقد عادت إليه عربيته لحسن الحظ:

- جندل دكتورين محنكين بضربة قاضية واحدة وفي الشوط الأول!..

قال الشخص الأول: هذه هي قوانين العروشية. لكي تنجح في انتخاب ما، عليك أولاً أن تعرف العروش والفِرق التي سوف تتعصب لك وتنصرك. العصبية هي الرابطة الوثيقة، أما شعارات الحزب التي تتحدث عن الكفاءة والنزاهة والالتزام فتبقى مجرد شعارات يتغنى بها السذج من المناضلين ويتزين بها النفاق الوطني، أعني الميثاق الوطني..

وقهقه الكل بمن فيهم النادل. لا بد أن منظري المتواضع شجعهم على الخوض في النقد السياسي بصراحة، وخلعوا عنهم عذار التناجي والاحتياط.. ودخل شيخ بعمامة صفراء وبرانس متداخلة، وهو يكمل طي مطريته السوداء، ويحشو بها في مغلفها؛ لقد كان أحد الشيخين اللذين رأيتهما في المقام وهما يستلقيان على جنبيهما يعدان التسبيحات في خمول أقرب إلى النوم، صدح في الجماعة:

- صبحكم الله بالخير والعافية يا جماعة الخير!.

قال الشخص الأول:

- تربح يا شيخ حسن.. ألا تزال الأمطار تصب وإلّا؟..

- لايزال بعض الرذاذ الخفيف جداً. لا لا.. الحمد لله، سيكون العام مباركاً إن شاء الله..

- إن شاء الله.. ربي يكمل.. قال الشخص الثالث وهو يسوي معطفه.

صافح الشيخ الشخوص الثلاثة، ولما كنت قريباً منهم، ورآني أحملق في وجهه في فضول، مد يده إليّ متبرعاً بالتحية، وقال كأنما يبرر سبب مصافحته لي:

- رأيتك منذ حين في المقام.

- صحيح.. صحيح..

قلت وأنا أشد على يد الشيخ بمودة وعرفان، فهذه أول يد تصافحني خارج السجن. وتساءلت في سري " أيكون محمود الدنفوري قد مات، وخلفه هذا الرجل السوقي في إمامة المقام؟. لم يكن من عادة الدنفوري أن يؤم المقاهي، وكان مجرد مروره في الشارع بسمته الوقور المبجل، يجعل الشارع كله يشع مهابة ويبطل فيه كل لغو..".

وفسح الشخوص الثلاثة المكان للشيخ، وهو يقول بنبرات وعظية واثقة، ويهوي بكيانه إلى الكرسي:

- يقول الرسول (ص) "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع رجل. وكلما كثر فهو أحب إلى الله.." ثم سكت لحظات ليكمل ".. لم يصل الصبح معي اليوم غير القيم ونفر من الشيوخ يعدون على رؤوس أصابع اليد الواحدة.. هل هذه بلاد إسلامية؟..".

وقال ذو المعطف الغليظ، وهو يمدد في نبرات صوته، كأنما يشفق على الشيخ أو يسخر من سذاجته، لا أدري:

- يا شيخ حسن.. يا شيخ حسن.. علام أنت نية لكل هذه الدرجة؟.. من يريد أن يصلي الصبح تحت وابل المطر، لا بد أن ينال ثوابين على الأقل لا ثواباً واحداً..

- ماذا تعني يا أبا قنوش؟.. الصلاة لله وحده..

تساءل الشيخ حسن متهكماً، وقد فطن إلى أن هذا الكلام يخفي سراً.. فرد أبو قنوش، وهو يشير بيده إلى الإعلان الملصق بجوار الباب:

- ألم تقرأ ذاك الإعلان بعد؟..

فنظر الشيخ إلى الإعلان المعلق، وقال ساخراً:

الصفحات