أنت هنا

قراءة كتاب رقصة الغجر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رقصة الغجر

رقصة الغجر

كتاب " رقصة الغجر " ، تأليف محمد أحمد عسيري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

لقطة خلفية

إلى الأستاذ الكبير محمد صادق دياب رحمه الله!

لم تكن تعلم وهي تصوب عدسة كاميرتها نحو جسده من الوراء أن هذه اللقطة ستكون الأخيرة لوالدها، والتي ستحتفظ بها الذاكرة الرقمية. لقطة خلفية لرجل يفيض بالحكايات كشجرة النيم التي كان يغني لها..

يا شجرة ميلي.. ميلي

فتميل بدلال على جنبها الأيمن.

صورة لجسد منهك يعبر ذلك الشارع اللندني نحو رصيف قصير كقصر العمر والحياة.

تجمد كل شيء داخل الصورة..

الضوء والظلال، وعقارب الساعات بلحظاتها المتفاوتة، والملامح التي احتفظت بدهشتها فرحاً وحزناً.

الأديب والصحافي محمد صادق دياب رحمه الله، في رحلته الأخيرة إلى لندن.

حتى الحمامة التي فردت جناحيها نحو السماء بالقرب من قدمه اليسرى كانت هي الأخرى تودعه.

هي الوحيدة بعد أن داست ذلك الزر الصغير استطاعت أن تتحرر من الإطار والجمود لتروي عن والدها الذي طالما أسكن الحكايات شبابيك ذكرياتنا.

لا أحد يعلم بأي شيء كان يفكر ذلك الجسد المثقل بهموم الكادحين وأيام عمرهم وهو يدير ظهره للحياة.

هل كان حينها منهكاً؟

هل كان يفكر في حديث الأطباء عن حالته؟

ولكنه من المؤكد أنه لم يكن يفكر بالموت.. لأنه قال بشجاعة لصديقه الدكتور فؤاد الذي عثر عليه يوماً على رصيف يشبه ذلك الرصيف في الصورة وهو يحاول القفز فوق الكثير من الأوجاع : أخبرني بحقيقة مرضي فأنا لا أخشى الموت.

ماذا يعني الموت لرجل قارب من السبعين؟

لقد عشت بما فيه الكفاية في هذه الحياة بينما رحل عنها من كان يستحق العيش فيها أكثر. إنها الأقدار يا صديقي تشبه الدروب العتيقة التي تحملنا طويلاً دون أن تشتكي، ولكنها تصبح دروباً مسدودة لا تعبر بنا عندما تحين النهاية.

في تلك اللقطة الخلفية غاب المشهد الأخير قبل أن تتلون الصورة بكامل تفاصيلها.

ضلت الشمس طريقها ولم تصافح وجه السماء كعادتها.

تلعثم الراوي، وسقط بطل حكايته. لم يستدر ليلوح بيده كما يفعل الذين اكتملت حكاياتهم. لم يصفق الجمهور، ولم يهتف باسمه..

ربما لأنهم كانوا ينتظرون عودته من خلف الضباب مبتسماً كوجه مدينته العروس التي خلعت زينتها وأدارت ظهرها للبحر ولطائر النورس العجوز الذي كان يأتيها بالأخبار.

خرج وحيداً من زوايا الصورة وظلت فقط مجرد لقطة خلفية.

الصفحات