كتاب " سنوات على غيابك " ، تأليف هند بن جمعة ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب سنوات على غيابك
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
سنوات على غيابك
سنوات على غيابك
ليتك يا حمد لو تستطيع سماعي لأقول لك بأنني كنت ولا أزال غارقة في حبك! كيف لي أن أنساك وأنت من أمضيت معه أروع اللحظات وأجمل أيام حياتي؟! أنت من بكيت بعد رحيله أياماً امتدت شهوراً وسنوات! لا أزال أذكرك جيداً يا حمد وكأن رحيلك عني كان بالأمس! أذكر الأيام التي عشناها، والأوقات الرائعة التي أمضيناها معاً، لا أزال يا حمد بين فترة وأخرى أذهب إلى الشاطىء الذي مشينا وركضنا على رماله معاً لمسافات، لا أزال يا حمد أختلس النظر عن قرب إلى الأمواج التي قرَّبتني منها وبللتني بمياهها! لا أزال أحتفظ بالأصداف والمحار التي استخدمناها معاً لتزيين القلعة التي شيدناها من رمال الشاطىء! لا تزال قلادتك التي قدّمتها لي هديةً يوم عيد ميلادي الثامن عشر تزين عنقي منذ أن ألبستني إياها! لا أزال يا حمد محتفظة بصورك التي أتأملها يومياً وأبتسم لها لأنها الشيء الوحيد الذي يمدّني بالقوة ويشعرني بالأمان، ويمكّنني من المضي قدماً نحو الحياة! لا زال صوتك العذب يا حمد يرن في أذني إلى اليوم! لا تزال رسائل وكلمات الحب التي لطالما أمطرتني بها محفورة وباتقان على نحو يصعب محوها من ذاكرتي! وكأن كلماتك تحفة أثرية تاريخية لا تنسى! لا يزال خاتم الخطوبة الذي أهديتني إياه قبل رحيلك عني بعدة أيام يزين إصبع يدي! غير آبهة لكلام الناس ولا لتعليقاتهم! لسبب بسيط لأنك أنت من ألبسني إياه بيديك الدافئتين! لا زلت يا حمد من حين إلى آخر أقترب نحو دولاب ملابسي وأنظر بإعجاب إلى الطقم الماسي المطعم بأحجار الزمرد الخضراء! وإلى الفستان الرمادي الذي قمت بشرائه لي في نفس اليوم! لا زلت أرتديه أحيانا رغم مرور أكثر من عشر سنوات على شرائه! لا زلت يا حمد ألون خصلات شعري بنفس اللون العسلي الذي رأيتني فيه قبل رحيلك بعدة ساعات راغباً مني وبشدة في أن أبقى عليه لأنه الأفضل لي في نظرك!
لا زلت أشعر يا حمد بأنك قريب مني! وبأنك تراني وعيناك تلاحقني! وبأنك تشعر بي! أشعر يا حمد بوجودك في كل مكان! لم أتمكن يا حمد إلى الآن من استبدالك بأي رجل آخر مهما كان! تماماً كعدم تمكني من استبدال سلسلتك وخاتم خطوبتنا الذي ألبستني إياهما منذ اثنى عشر عاماً بأي سلسلة وبأي خاتم خطوبة آخر! لا زلت يا حمد أرغب وبشدة في العيش معك! وبقربك! لا زلت أرغب في أن يحمل أولادي اسمك وإن بات هذا مستحيلاً! لا زلت أرغب بأن أطفىء شموع أعياد ميلادي معك!
بدأت قصتي معك في عام 2000م عندما كنت مع عائلتي في مبنى مطار دبي الدولي، عندما حان موعد سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة، ورغم حماسي إلّا أنني وجدت ذلك اليوم يوماً عصيباً حاولت أن أخفي فيه مشاعري المختلطة بين حزن وخوف، حزناً لأنني سأترك والديَّ واخوتي الذين لن تتسنى لي رؤيتهم إلّا في أيام الإجازات، خوفاً لأنني سأعيش وحيدة في الغربة، وبالتالي سيتوجب مني الاعتماد على نفسي وتدبير أموري وحيدة دون مساعدة الأهل.
كانت الساعة التاسعة مساء عندما كنت في مبنى المطار مع والديَّ وأخويَّ أحمد وسالم، في ذلك الوقت كان أحمد يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، بينما أحمد كان يبلغ من العمر اثني عشر عاماً، أتذكر والدتي التي أمضت وقتاً طويلاً في البكاء، لم يكن لهذا المنظر ليفارق مخيلتي أسابيع طويلة في الغربة، ففراقي عن عائلتي أشعرني بالحزن والحنين الدائم للعودة إلى أراضي الوطن.
قمت باحتضانهم وتركتهم كي يتسنى لي الوقت للقيام بكافة الإجراءات اللازمة التي يقوم بها المسافرون عادة قبل وقت الإقلاع، من تفتيش للحقائب، وختم التذكرة، وجواز السفر، بقيت عائلتي واقفة في مكانها تحدق إليّ للمرات الأخيرة، وكنت أسترق النظر والالتفات إليهم بين الحين والآخر كلما سنحت لي الفرصة، وما إن انتهيت من تلك الإجراءات حتى لوحت لهم بيدي من بعيد لأودعهم، ومشيت إلى أن اتجهت إلى جهة اليسار لمبنى المطار والتي وما إن اتجهت نحوها حتى عاودت التلويح لهم مجدداً وللمرة الأخيرة، وباتجاهي إلى اليسار اختفى أفراد عائلتي من أمامي!
صعدت إلى الطابق الثاني للمطار لأرى أمامي مجموعة الأسواق الحرة، لم أهتم لأمشي باتجاه البوابة رقم أربعة وعشرين حيث يتوجب مني الانتظار، انتظرت لما يقارب من خمسةٍ وأربعين دقيقة لسماع النداء الأخير للإقلاع، وما إن استرقته أذناي حتى قمت مجدداً بحمل حقيبتي لأذهب باتجاه البوابة، أعطيت المضيفة تذكرتي ودخلت إلى الطائرة، ثم استقليت بعدها مكاني الذي كان إلى جانب النافذة، ورغم أن الوقت كان في الساعة الحادية عشر ليلاً إلّا أنني بقيت أحدق إلى منظر الطائرات من حولي، وحتى عند الإقلاع، بقيت أنظر إلى أنوار مدينة دبي من الأعلى، نظرت إليها إلى أن اختفت نهائياً من أمام عيني! ودون أن أشعر سقطت عدة دمعات من عيني لم ألحظها إلّا بعد اقتراب المضيفة مني التي أتت لتسألني إن كنت على ما يرام؟!
ابتسمت لها لأخبرها بأنني بخير، ثم مسحت دمعاتي بالمنديل الذي أعطتني إياه المضيفة، ثم سرحت وعدت بذاكرتي إلى الوراء لأتذكر أيامي في الوطن الغالي، وتحديداً أيام طفولتي رغم أنني لا أتذكرها جيداً، ولكنني كنت على قدر كبير من الثقة، من أن والديَّ لم يقصرا أبداً في تدليلي، وفي تلبيةِ جميع طلباتي واحتياجاتي، فالصور الكثيرة التي جمعت وتم لصقها في عشرات الألبومات هي خير دليل على ذلك.
ثم انتقلت إلى مرحلة الروضة التي تذكرت منها القليل من الأحداث، أذكر كم كنت شقية، وكثيرة البكاء بلا سبب! وكذلك في المرحلة الابتدائية التي كنت فيها كغيري من الأطفال مدمنةً على رؤيةِ المسلسلات الكرتونية مثل «توم وجيري» و»السنافر» و»الشناكل» وغيرها، كم سأشتاق لرؤية هذا النوع من المسلسلات في الغربة!
أما في المرحلةِ الإعداديةِ أصبحت شديدةَ الاهتمام بنفسي وبأناقتي، حتى أنني لا أزال أتذكر تذمر والدتي الدائم من ذلك الموضوع لأنها كانت ترغب في المزيد من الاهتمام في دراستي، ولا زلت أذكر جملتها التي كانت ترددها دائماً على مسامعي: «يا بنتي لاحقه على المكياج واللبس والله باجر بتكبرين وبتزهقين منه!» بينما كنت دائماً أجيبها: «لا ما أعتقد! أصلاً لو ما كان فيه لبس ومكياج ما كنتي اتزوجتي!»
وأما في المرحلة الثانوية فلم تختلف الأوضاع كثيراً عن المرحلة التي سبقتها، بل ازدادت الأمور سوءًا! فقد ازداد اهتمامي بأناقتي لدرجة أصبحت أتردد فيها أسبوعياً إلى صالونات التجميل، قد يكون بسبب عمل البديكير والمنيكير، أو لتغيير قصة شعري حسب الموضة! كنت أقضي وقتاً طويلاً أمام المرآة، وأوقات أخرى طويلة في قراءة المجلات التي تتعلق بالموضة والمكياج والفن أكثر من قرائتي للكتب الدراسية! وهواية التسوق كانت إحدى أهم هواياتي!
تذكرت عندما بدأ اهتمامي بتلك الأمور يخف تدريجياً، وكذلك قراءتي للمجلات أصبحت معدومة بسبب الثانويةِ العامة التي وعدت فيها والديَّ وتحديداً أبي منذُ بداية العام الدراسي بالدراسة والاجتهاد لتحقيق أمنيتهم في دراسة الهندسةً، وبهذا أصبحت دراستي وحصولي على معدل مرتفع يؤهلني لدراسة الهندسة هدفي الأساسي.
تذكرت الأيام والأسابيع والشهور التي مرت بسرعة لتنتهي بذلك تلك السنة الدراسية الأخيرة، أديت في نهاية العام الدراسي جميع الاختبارات المطلوبة، أذكر جيداً يوم ظهور النتائج، وأذكر أنني نجحت وبمعدل يفوق التسعين بالمئة! كانت سعادتي لا توصف ولم أصدق يومها ذلك! فهذا الخبر كان بمثابة مفاجأة كبيرة لي، وبدون تردد قررت دراسة الهندسة كما وعدت والدي، وبعد عدة أيام ظهرت لي مفاجأة أخرى لم أتوقع حدوثها وهي حصولي على منحة دراسية للدراسة في الخارج، تحمست كثيراً للفكرة، وتمنيت أن يوافق والداي على ذلك، فقد انتابني الخوف من رفضهم، خاصة وأننا ننتمي إلى مجتمعٍ لا يحبذ فكرة سفر الفتاة وحيدة للدراسة في الخارج، ولكنني فوجئت بموافقتهم وتشجيعي على ذلكَ! فلا أنسى دور والدي الذي ساعدني في تجهيز جميع الأوراقِ المطلوبةِ قبل السفر، بما فيها أوراق المنحة والمقابلة للحصول على الفيزا في السفارة الأمريكية التي أخذني اليها عدة مرات، وعلى التواصل مع الجامعة، وتحديداً مع قسم خدمة الطلبة والذين بدورهم سمحوا لي بالتواصل مع طالبتين عربيتين تدرسان في نفس الجامعة، ولم أكن على علم بجنسية أي منهما أو بأي شيء يختص بهما، إلّا أنني تمكنت من معرفة القليل بعد حصولي على أرقام هواتفهما، وتواصلي معهما عبر الهاتف لعدة أيام سبقت يوم السفر، ووالدتي أيضاً كان لها دور لا يستهان به في تشجيعي على الدراسة، فقد اشترت لي الكثير من الملابس الشتوية والصيفية استعداداً للجامعة.