كتاب " ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي " ، تأليف ليندا مطر ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ليندا مطر - محطات من سيرة حياتي
5 ـ الشباب وجائزة السلام
إن تعاطفي مع الأفكار الجديدة التي بدأت أتقبلها ازداد يوماً بعد يوم. تركت جانباً الكتب والقصص التي كنت أنسجم بقراءتها وبدأت أهتم بجريدة «صوت الشعب» وبالمنشوارت التي كانت توزع على المنازل والتي كانت تحمل توقيع الحزب الشيوعي اللبناني.
في العام 1950 زارتني صبية اسمها فيكتوريا لتسألني إن كنت أقبل السفر إلى مهرجان الشباب الذي سيقام في برلين. أخبرت زوجي الذي رحب بالاقتراح، ووافقت والدتي على الاهتمام بابنتي الصغيرتين، وكنت أعلم بأن زوجي سيكون الأب المتيقظ دائماً لراحة الأولاد كعادته. وبحيث أنها كانت المرة الأولى التي أسافر فيها إلى خارج لبنان وحدي (ذهبت مع زوجي مرة واحدة إلى حلب لزيارة جدته لأمه) فقد دونت يومياتي في برلين. كانت سفرة من العمر، إذ كنت معتبرة في هذه السفرة «ضيفة» لم أكن باتحاد أو بجمعية أو بحزب. عند عودتنا فوجئنا في مرفأ بيروت(******) بالتفتيش الذي أخذ منا كل ما لدينا من هدايا وصور ولم يتركوا لي دفتر يومياتي.
قرر الشباب الذين حضروا مهرجان برلين أن يدعوا إلى سهرة في الهواء الطلق في عين الرمانة عند الجيران في منزل جورج عرموني حيث توجد ساحة فسيحة تتسع لأكثر من مائة شخص. تعاونا على نقل الكراسي من المنازل المجاورة. حضر العديد من الشباب والشابات الذين جاءوا من الشياح والغبيري وبرج البراجنة والتحويطة ليستمعوا إلى ما جرى في هذا المهرجان. وبينما اصحاب الدار يقدمون القهوة وجدنا أنفسنا محاصرين من أربع جهات بعدد من الدرك بحجة أننا نعقد اجتماعاً سرياً! يا للغرابة.. اجتماع سري في الهواء الطلق! توجه رئيس الفرقة المحاصرة من الحضور قائلاً: من منكم كان في مهرجان برلين. كنا حوالى 20 شاباً وشابة. قالوا: ينبغي أن تأتوا معنا إلى المركز في فرن الشباك للإجابة عن بعض الأسئلة. رفض زوجي أن أذهب لوحدي قالوا له: تفضل معها.
كانت المرة الأولى التي أدخل فيها إلى مركز الدرك مع أني كنت أمر يومياً من أمامه وأنا ذاهبة أو عائدة من مدرسة الناصرة. بدأوا باستجوابنا، ولأنني كنت «غشيمة» أخذت أشرح لأفراد الدرك طموح شباب العالم بالسلام وبالحياة الزاهرة. كنت أحكي والدركي يكتب، أظن أنه دون أكثر من خمس صفحات. عدنا إلى بيوتنا سالمين، وعلمنا أن أحد الجيران الذي ينتمي إلى حزب ذي عقيدة معادية للحزب الشيوعي كان وراء ما جرى لنا. أحد المحامين الذي اطلع على الاستجواب حذرني قائلاً: إذا صدف وأن وجهت إليك أسئلة من هذا النوع فلتكن إجاباتك بنعم أو لا فقط. وقال: الموضوع لم يقف عند هذا الحد ستجري محاكمة، وقد أحيلت القضية إلى المحكمة الجنائية.
بعد شهرين استلم كل الذين كانوا في مهرجان برلين وصاحب الدار الذي استضافنا إشعاراً بتحديد موعد المحاكمة. ولأن القضية أصبحت في المحكمة الجنائية كان على المدعى عليهم أن يكونوا قبل ثلاثة أيام من موعد المحاكمة في السجن.. وفعلاً قبل التاريخ المحدد كنت في طريقي إلى البيت وإذ بالحي الذي أسكن فيه ساحة حرب. سألت: ماذا يجري هنا؟ البعض أجاب بأنه لا يعلم شيئاً لكن أحدهم اقترب مني وقال لي: إنهم بانتظارك. أسرعت الخطى نحو المنزل، وجدته مطوقاً بمجموعة من الدركيين.. تقدمت نحوهم وبعضهم لا يعرفني فقلت لهم: أنا من تنتظرون؟ قالوا: نعم. هنا أيضاً رفض زوجي أن أذهب وحدي فرحبوا به شخصاً آخر يضاف إلى «المجرمين» الذين سافروا بجوازات سفر لبنانية في باخرة انطلقت من مرفأ بيروت على مرأى وسمع القوى الأمنية. وجريمتهم أنهم كانوا ينشدون السلام في العالم.
كنا أربع صبابا، وضعنا في غرفة منفردة بعيدة عن غرف السجينات، أما الشباب فكان نصيبهم الاختلاط مع المساجين الآخرين. خلال الأيام الثلاثة زارنا العديد من الأصدقاء والصديقات، واللافت أن حارس السجن كان حريصاً على راحتنا فيقدم لنا القهوة والشاي. قلنا له هل تعاملون جميع السجناء كما تتعاطى معنا باحترام، ضحك وأجاب: أنتن سجينات بسبب دفاعكن عن السلام إنكن مختلفات. لم يكبلوا أيدينا لا قبل ولا أثناء المحاكمة كما فعلوا مع الشباب. لم يسمح لأي من الذين جاؤوا إلى بعبدا بالدخول إلى قاعة المحكمة، سمح فقط للمحامين والسجناء طبعاً والقضاة. وأعلنت براءتنا من التهمة الموجهة إلينا. كانت المرة الوحيدة التي دخلت فيها السجن.
إن الأيام الثلاثة التي قضيتها في سجن بعبدا أضافت إلى أسئلتي ماذا جديدة؟
فأجبت عن سؤالي: لقد حصلت على جائزة السلام!
كنت بعد كل سؤال أطرحه على نفسي أفتش عن الجواب عن طريق القراءة. أصبحت من القراء الدائمين لجريدة «صوت الشعب»، كذلك أهداني أحد الأصدقاء كتاب «أصل العائلة» لانغلز و«البيان الشيوعي» لماركس. بعد ذلك دعيت إلى اجتماع «حلقة الأصدقاء» فاستهوتني النقاشات التي كانت تجري. كنت مستمعة ولكن مستمعة جيدة.