كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟
أنت هنا
قراءة كتاب مراتب الموتى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مراتب الموتى
3
رجع إبراهيم إلى الجثة وهو ينفخ في كفيه ويفرك إحداهما بالأخرى.
هي برودة الخارج أو ربما برودة الجثة قد انتقلت إلى جسده الهزيل الذي صار يرتعش بعد أن غادرت الشمطاء. عاد إلى التأفف من منظر هذا البشع الممدد أمامه على الرخام الذي لم يجف بعد من بضع قطرات ماء.
كان حنكه قد ارتخى من جديد.... «يبدو أن شدي لحنكه لم يكن كما يجب». قال إبراهيم وهو يشعل النار تحت إبريق الشاي.
ولّى الجثة الظهر وركز بصره على الخارج الذي كان يراوح بين اللون الكحلي ولون تسلل الضباب. كان الشجر في الخارج يعارك الهواء، وثمة خيوط خجلة تنذر بطلوع النهار.
ليس الموت عند إبراهيم حالة انبهار أو حتى نقطة انقطاع. فهو ينظر إلى جثثه كأنها صناديق فرجة يرى عبرها عالم الغيب، ويرى أيضاً عالم الأحياء.
كان يرتشف شايه وينظر عبر النافذة وفي باله صورة جده الذي كان يحرص على معانقة الجثث العارية وتشبثه بلحم هذه الجثث وتلميع أسنانها وتسريح شعرها وإجراء أحاديث لا تنتهي مع الأموات الذين مروا أمام ناظري إبراهيم منذ البدء.
فهو يتذكر، ربما كان يومذاك في السابعة أو الثامنة من العمر، أن جده كتب يوماً فوق جثة طفل صغير كلاماً كثيراً قال إن الطفل أمره بكتابتها عليه. عمل إبراهيم على شحذ ذاكرته علّه يتذكر ما الذي حدث فيما بعد، لكن ذاكرته تسربت إلى منظر آخر لجده وهو يلقّن أحد الأموات درساً في أصول الموت.
شتت ذاكرة إبراهيم بين تأنيب جده لهذا الميت ثم غمره وتمسيد جسده بحنان. فجدّ إبراهيم كان مصدر أمان لأمواته الذين كانوا يتنسمون فيه خير دليل في رحلتهم الأخيرة.
كان عند نافذة بيته الضيقة يجول بذاكرته في أروقة الجثث الكثيرة التي قد مرّت عليه، ويفكر أن الموت ليس أكثر من حاجة كفيه وكفي جده من قبل لفرك أجساد الأموات.
كان منظر الجبل المقابل لبيته قد أخذ بالانقشاع، وثمّة عشب يابس يتدحرج وطيور قليلة تركت نفسها تحت رحمة عاصفة آخر الليل وأول النهار.
قبل أن ينجلي المشهد أمام عيني إبراهيم المغبشتين ترامت إلى مسامعه أصوات طرطقة عجلات خشبية تتدحرج فوق الحصى والأحجار.