أنت هنا

قراءة كتاب مراتب الموتى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مراتب الموتى

مراتب الموتى

كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

8

«رووا أن امرأة أتت إلى النبي فقالت له: ابني هذا به جنون يصيبه عند الغداء والعشاء. فقالوا، فمسّ النبي صدره فثغّ ثغة فخرج من جوفه جرو أسود يسعى».

كان إبراهيم يفرك إحدى الجثتين ويلهج كل الوقت بالصلاة على سيّد المرسلين وفي باله الكلب الأسود الفاجر الذي كان يعوي كمن يخبر بشيء. غمرت قلب إبراهيم الفاجعة وانصرف بكل حواسه عن الجثتين وعاد بذهنه إلى جده القديم.

ربما كان في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة من العمر يوم خرّ جده راكعاً أمام جثة شاب يافع مات نتيجة عضّة كلب أسود. تذكر إبراهيم كيف ترك جده الجثة أياماً دون أن يمسها بقطعة قماش أو حتى برشة ماء. كان جده يومذاك على عياء شديد وكان متيقناً أن جناً ما يسكن أحشاء هذا القتيل.

انصرف إبراهيم عن كل ما يعتوره من خوف وعاد إلى الجثتين اللتين بين يديه يتحسسهما ويراقب نضارتهما واللون الأزرق تحت عيونهما مستأنساً بما جادت عليه ذاكرته من آيات وأحاديث. لكن..... وكما ردد جده في ذلك اليوم: السود من الكلاب الجن.

نفض يديه عن إحدى الجثتين التي شعر إبراهيم بحركة صدرت عنها وثمة نفس حار خرج من بين الشفتين.. «لا إله إلا الله. . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» وتقهقر خطوتين إلى الخلف.

عادت صورة جده الخائف تحتل مساحة وعيه المتذبذب وتختلط برائحة جثة الشاب الذي قد عضه الكلب. انتابت الرهبة إبراهيم فألزمته الصمت والترقب وصوت جده الخائف من ذلك الشاب اللعين.

لم يتعود إبراهيم في أيامه ولياليه خوف جده من الجثث، بل تحسب أن الميت بين يديه عجينة يشكلها كيفما يشأ. لكن الأسود.... الكلب الأسود من مطايا الجن والشياطين!!

انخلع قلب إبراهيم وتبددت صورة جده من بين ثنايا ذاكرته وقد قح أحد الولدين من فوق سرير الرخام. فتح الصبي عينيه ثم شهق وعاد فمات.

تصلب إبراهيم في مكانه كأنه جثة منتصبة إلى انحناء بسيط. اختلس نظرة إلى النافذة الصغيرة ليرى أن العتمة قد لفّت الأنحاء وثمّة سبات كأن الريح قد غاصت في لجة النوم. امتقع وجهه بمدّ من السكون المضطرب؛ وعادت إلى رأسه صورة جده الذي نادم يوماً أحد الأموات حتى الصباح.

كان يومذاك في العاشرة من العمر حين ردت الروح بغتة إلى أحد الأموات أثناء تسريح شعره الطويل.

لا يذكر إبراهيم التفاصيل باستثناء أنه رمى بالمشط وعجّل الجري إلى غرفة أخرى حيث كان جده.... أكفاناً وأموراً أخرى..

تلاشث ذاكرة إبراهيم بين جريه المذعور إلى جده وهذا الجد الذي. .. حاول تحرّي المشهد لكن صورة الولدين الممددين على الرخام أمامه استباحت كل صور الماضي البعيد.

الصفحات