كتاب " مراتب الموتى " ، تأليف فوزي ذيبان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
«تباً لكَ. لِمَ هذه التكشيرة وهذان الحاجبان المقطبان؟
أنت هنا
قراءة كتاب مراتب الموتى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مراتب الموتى
12
«سحقاً لك من كلب أسود لعين» غمغم إبراهيم وقد وقف على ما جرى أثناء دفن الطفلين.
احتار شيخ القرية إذا ما كانت الرحمة تجوز على هذين الولدين أم لا. فموتهما سبب إشهار عورة أمهما أمام نساء القرية ورجالها وأمام الشيخ. تناهى إلى إبراهيم أن النسوة لم يستطعن كف المرأة المجنونة عن الذهاب إلى الجبانة في آخر القرية من جهة الشرق. قفزت من بين أيدي النساء ودخلت إلى قلب الغابة حيث الصخور هناك تشبه الأشرار من الرجال. طاردتها بعض النساء لكنها توارت واختفت خلف صمت لسانها وخلف رجال الصخور هؤلاء. أسقط من أيدي النساء، فانصرفن عن التفتيش عنها وعدن إلى منازلهن خائبات.
كان الشيخ عند أول صلاته فوق الجثتين الصغيرتين حين انبثقت المجنونة فجأة من بين دغل صغير وكانت عارية تماماً.
لم تغطِّ سوى رأسها بمنديل قد غمسته بالوحل، وكانت حافية القدمين، وجراح كثيرة تغطي جسدها النحيل.أعرض الشيخ عن المرأة وقام بإغماض عينيه، أما بقية المشيعين فقد تحرّوا الابتعاد عنها وهم يسترقون النظرات وأفواههم فاغرة وأيديهم كثيرة يضعونها فوق آذانهم والعيون.
سجدت المجنونة عند كعب الشيخ متوسلة إليه ليدفنها مع الطفلين. لكن الشيخ استنجد بالله وتوجه إلى جمهرة المشيعين يقرأ عليهم: «إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم». جعل الشيخ يردد الآية الكريمة بملء الصوت مرّة بعد مرّة، ومع كل تلاوة كان يعلي الصوت أكثر مولياً المرأة أذنه الصمّاء، بينما تلك متشبثة بقدميه كأنه واسطة البقاء مع الصغيرين الميتين.
«إذا نبحت الكلاب وجاوبتها ذئاب الجبال، فسيكون هناك جوائح كثيرة»، قال إبراهيم لنفسه وقد علم أن تلك العجوز الشمطاء وجدت بين الرجال فجأة وكانت تحمل بطانية سوداء ورفشاً. نظر الشيخ إلى الشمطاء ساهياً ثم تلا همس غير واضح الكلمات والحروف وهو ينظر إلى الشمطاء تشجّ رأس العارية بالرفش.
«أدخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان» قال الشيخ كأنه يوشوش الناس مخافة أن يسمعه أحد.
رزحت القرية أكثر من شهر تحت صمت يشبه عناد البغل بعد حادثة المقبرة وما قد جرى هناك. أما إبراهيم فكان طوال هذا الوقت مكتفياً بما جاد عليه موت الطفلين من عنب وتين وعسل وملح. لم يكن يرى إلا بعض الصبية من الذين يختلسون النظر إليه عبر نافذة بيته الصغيرة، ومن آن إلى آخر كان يبادل مجاذيب القرية نظراتهم الخرقاء عبر هذه النافذة.