أنت هنا

قراءة كتاب حرر ذاتك منك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حرر ذاتك منك

حرر ذاتك منك

عزيزي القارئ..
إذا كنت من الذين يشترون الكتب التي تصفِّق لمعتقداتهم لكي يزيدوا "يقينهم" بأنَّهم على "صواب".. فهذا الكتاب ليس لك.. أنصحك بعدم قراءته..
لأنَّه موَجَّه ضدَّ من تظنُّه (أنت)..
وضدَّ من تظنُّهم (أسيادك)..

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 6

نسخة "طبق الأصل"

تشبه مجتمعاتنا آلة نسخ (Photo Copier) عملاقة تنتج عبر السنين نُسَخًا بشرية "طبق الأصل". يكون الطفل المولود فيها صفحة بيضاء قبل أن "يطبعوا" عليها نسختهم الاجتماعية التي تناسبهم. فنرى معظم أفراد مجتمع ما، يشبهون بعضهم بعضاً بطريقة تصرُّفهم، إدراكهم، إيمانهم، ومسلكهم في الحياة.. فيعمل أصحاب السلطة في المجتمع على نَسخ معتقداتهم، قيَمهم، أعرافهم، قوانينهم، ومُثُلهم في الفرد من ولادته إلى نضجه ليصبح "نسخة طبق الأصل" عن "الطبعة الاجتماعية الأصلية".
أمَّا الذين لا يصحّ عليهم لقب "نسخة طبق الأصل" فإنهم يُرفضون اجتماعيًا كما تُرفض الورقة المنسوخة التي لا تشبه تمامًا النسخ الباقية. ويُبعَدون ببساطة، لأن هؤلاء الناس لديهم فكر نقديّ مشاكس وليسوا تابعين، أو مُتلقِّين، أو مصفِّقين دائمين لأسيادهم. ويُعزَلون لأنهم يبحثون ويحلِّلون كلّ ما يمر بهم من أفكار موروثة.. ولأنهم ينقضون مفاهيم قديمة كانت سائدة في عصورهم ويثبتون بطلانها بشكل علمي.. ولأنهم يَرفضون الأفكار غير العقلانية، ويتبنّون العقلاني منها، بحسب مفاهيمهم الموضوعية الذاتية للأُمور..
جميعنا يعرف ماذا فعلته المجتمعات، على مَرّ العصور، بالخارجين عن منظوماتها "المقدَّسة".. لقد عاملت المفكِّرين، والمبدعين، والعظماء، والمتـنوِّرين، كما عاملت القتلة واللصوص والشاذِّين على أساس أنهم "مجرمون"..
إن نزعة التطوُّر والتغيير كانت وما زالت الخطر الوحيد الذي يهدِّد منظومات الأنماط الموروثة والمنسوخة "كما هي": من الجدّ.. إلى الأب.. إلى الابن.. إلى ابن الابن... فمقاومة التغيير في المجتمع تهدف بالدرجة الأولى إلى المحافظة على "النقاء النموذجي" لآلية النسخ الاجتماعي.

منتجات المصانع الاجتماعية

يتربَّى الناس على أنماط معرفية خاصَّة بمجتمعاتهم، ليصبحوا "منتجات" متطابقة صادرة من المصنع الاجتماعي ذاته، كعبوات المشروبات الغازية: متشابهة تمامًا، متطابقة تمامًا، وتحوي الخصائص، والمحتويات ذاتها..
لكن مراكز العبوات تتنوَّع: فبعضها قد نجده منفيًا في المخازن المعتمة، موضوعًا في البرادات المُحكمة الإغلاق، أو "متباهيًا" على رفوف صالات العرض الفخمة. وجميعها، في النهاية، تُلاقي المصير ذاته بحيث أنها تُرمى بعد استخدامها.
ويوجد في المصانع كافَّة قسم لمراقبة الجودة. بحيث يتمُّ فحص عيِّنات من المنتجات للتأكُّد من صحَّة الإنتاج وسلامته، ومدى توافقها مع معايير "الجودة" ومع "المواصفات النموذجية" المطلوبة.. ويقوم قسم مراقبة الجودة بتصنيف العبوات غير "النموذجية" بـ:"غير الصالحة للبيع".. ويتمُّ "تصحيح الخلل" فيها أو "التخلُّص منها" بحسب مقتضيات معايير الجودة.
وعلى الرغم من هذا التطابق التامّ بين العبوات التي تباع، فإن أسعارها تختلف باختلاف مستوى السوق التي تباع فيها.. فأسعارها في المطاعم الراقية أغلى بأضعاف من المحلات الفقيرة.. لكنّنا عندما نتذوَّقها، نجدها متماثلة لا فرق بالطعم، ولا بالنوعية.
قد نجد تقاربًا بين قسم مراقبة الجودة وبين آلية الضبط الاجتماعي من حيث الهدف. فالهدف يتشابه وهو "تنقية" المنتجات الصناعية والاجتماعية من "الشوائب"، والتأكُّد بأن الإنتاج "نموذجي" يقع ضِمن متطلِّبات "الجودة" للمنتجات الصناعية والاجتماعية.

الصفحات