يحاول حسن خليل تقديم نفسه ماركسياً في مواجهة المفاهيم المتغيرة، لذا نراه يسعى إلى إعادة تحديد هذه المفاهيم، وتوصيف معاييرها الابستمية ضمن حراك الواقع السياسي - الاقتصادي عالمياً وفي العالم العربي، ولبنان، معيداً "للبراكسيس" لمعانه كأساس في الفكر الماركسي...
قراءة كتاب ديمقراطية - عولمة وحروب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
هذا هو الواقع الذي أنتجته رأسمالية القرن العشرين وما بعده، واقع أصاب العالم منه الكثير من الكوارث والمشاكل ولا يزال مستمراً. المتغير فيه هو طبيعة بعض القوى والاساليب، والثابت هو استخدام الشعارات واستغلال القيم في سبيل تحقيق المصالح. إذن من جديد، يقع العالم تحت وهم الحداثة وفخ العولمة وكذبة الديمقراطية. هذه الوقائع تعطي الصورة عن طبيعة الصراع وشكله الذي كان دائراً ومستمراً، مع الأسف، ولكن بصورة أكثر اختلافاً:
- الديمقراطية والحرية: ليس من الممكن تحديد أو تعريف الديمقراطية وذلك لاختلاف المعايير والأسس التي على اساسها قام هذا المفهوم منذ القدم حتى يومنا هذا (8). غير أن كثرة استخدام هذا المصطلح أوالمفهوم في الحياة السياسية وبطريقة «مؤشكلة» في هذه الأيام جعله موضوعاً «نقاشياً» لكثرة ما استخدم واستعمل في إطار النظام العالمي الجديد وفي زمن العولمة التي نعيش أكثر فصولها تعقيدًا أقله حتى الآن. إنَّ كثرة استخدام هذا المفهوم تعكس أزمة بنيوية، فكيف يجب التعاطي إذن؟ فكل النظم ديمقراطية، وكلها غير ديمقراطية! هنا اختلاط النقيض بالنقيض بحد ذاته، هو الإشكال والمشكلة، فلماذا إذن محاكمة هذا المفهوم كما لو أنه تعريف واضح ومحدد وعلى أساسه يتم التوصيف والحكم؟. أليس من الملفت للنظر أن هناك نظماً تخوض حروباً باسم فرض الديمقراطية، أو أنظمة توّصف أخرى أنها ديمقراطية أو لا ديمقراطية؟ أليس في هكذا تصرفات مخالفة أقله لما اتفق عليه من مفهوم للديمقراطية وربطه بمبدأ الحرية وحقوق الإنسان؟ إنه لمن الإجحاف بحق الديمقراطية إذا قبلنا بنسختها المعولمة أو رفضناها لأجل السبب ذاته، أي «لنسختها»، فمن الظلم تحميلها مساوئ ما نتج عن سوء استخدام النظام العالمي الجديد مع ما حمله من شعاراتٍ خاويةٍ من المضمون الطبيعي لهذا المفهوم. لذلك يجب فصل مناقشة فهم الديمقراطية عن الواقع المأزوم بالنسبة للمتضررين، والمزدهر بالنسبة لأصحابه، والمتجسدين دائمًا بأصحاب رأس المال المتفلت من كل أشكال الضبط والقوننة واستطراداً من كل ما يمت إلى فكرتَي الحرية والديمقراطية وارتباطهما بالقيم الإنسانية. إنَّ منطق العولمة السائد في هذه المرحلة، ونقصد به الاستعمار المتقدم في آلياته وسرعة سيطرته، هو منطق، بحد ذاته، مخالف لتلك القيم التي ذكرناها سابقًا: فاستلاب الشعوب حرياتها وثرواتها دائماً باسم نشر الحرية هو بحد ذاته مخالف، وفرض الديمقراطية والديمقراطيات بالقوة هو أيضاً مناقض لقيم تلك الديمقراطية، ولنقلها بشكل أوضح «الديمقراطية الغربية» لأن في ذلك توصيفًا لحالة -نموذج- حتى هذا النموذج يتناقض مع ما يفرض- ومن القوى الديمقراطية الغربية- نفسها ودائماً تحت مسميات وأشكال مختلفة، من حقوق الإنسان إلى إطلاق حرية الشعوب في التعبير عن آرائها بكل حرية ومن دون وصاية أو تدخُّل من أحد. فهل هذا ما يجري هنا؟ الجواب، وبكل وضوح، هو كلا!!. إذن إنها أولى الأزمات.
- الأقليمية أو "الأقلمة": هي من حيث الشكل والمضمون على نقيض تام مع نظام العولمة المعمول به في فترة ما بعد الانهيارات، ولكن من حيث الاستخدام والوظيفة فإنها من أبرز مرتكزات، ليس العولمة فقط، وإنما كل النظام السياسي والاقتصادي الجديد بنسخاته المطورة والمتلاحقة. للتذكير فقط: ما أُعلن عنه غداة انتهاء الحرب الباردة أنَّ عصراً جديداً سيبدأ، معالمه الانفتاح والحدود المفتوحة والغاء الحواجز المادية والفكرية وغيرها، إنه عصر القرية الكونية المفتوحة الفضاء والحدود إلى ما هنالك من أمور وقضايا تدخل تحت مسميات النظام العالمي الجديد والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. هذا ما بشرنا به اصحاب نهاية التاريخ، لكن ما جاء بعده أفضى إلى شئ آخر وليست "الأقلمة" (من اقليم) إلا أحد تجلياته الواضحة والتي لا لبس فيها. إنَّ اسباب ظهور، أو لنقل بروز الدور الكبير لهذا المفهوم عائد إلى طبيعة المتغيرات السياسية والجيوسياسية التي ظهرت مؤخراً ومن ابرزها:
- ظهور اقطاب وتجمعات اقليمية جديدة، سياسية أو اقتصادية أو الاثنتين معاً (9)، وذلك ارتباطاً بانتهاء عالم القطبين الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية أو لأسباب جغرافية. هذا الظهور كان لاعتبارات تدخل في اهمية المتغيرات أو في النتائج والتداعيات التي حصلت، أو يمكنها أن تعود إلى طبيعة الصراعات التي اعقبت المرحلة السابقة مما استوجب إعادة صياغة تحالفات تأخذ المستجدات بعين الاعتبار.
- صعود دول جديدة مع امكانيات اقتصادية لا بأس بها تسمح لها بلعب دور اقتصادي وسياسي اقليمي (10). هذه الدول ربما وجدت الفرصة المناسبة لتقديم نفسها كعامل استقرار أو مساعدة أو لتقديم خدماتها في اطار ضبط الأمور المستجدة في منطقة وجودها. كما يمكن وضعها في خانة التناقض الرأسمالي-الرأسمالي الذي برز وبشكل كبير على مسرح الأحداث وارتباطه بالصراع على الأسواق والمواد الخام وحتى على النفوذ.
- الأهمية الاستراتيجية لبعض المناطق والتي اصبحت "مناطق ممنوعة" على بعضهم وذلك لأسباب تتعلق إما بالغنى الطبيعي أو الموقع الجغرافي أو لأسباب تدخل في نطاق المجال الحيوي أو مناطق النفوذ (11). بذلك استعرت، ومن جديد، حرب باردة بين دول كانت حتى الماضي القريب حليفة.
- "استراتيجية المصالح" لبعض الدول أدت إلى وضع اليد على بعض المناطق أو التجمعات أو حتى محاولة تأسيس تجمعات جديدة. هذه الأسباب وربما غيرها دخلت في صلب تكوين هذا النمط من التجمعات وأعطت لمفهوم " الأقلمة أو الأقليمية" بعدها السياسي المهم، حتى لتكاد تصبح الوجه الآخر للعولمة أو المكمل لها (12). إنَّ أخطر ما في هذا المفهوم ليس الشكل وليس المضمون وانما الطريقة التي اعتمدت في مراحل التكوين والتأليف وليس أبسطها سوى الحروب والتوتير والعنف. وبذلك مجدداً تسقط الشعارات التى نادى بها "العالم الحر" في أول امتحان حقيقي لها لتبرز كما لو أنها، أو هي فعلاً كذلك، شعارات واهية وكاذبة تعكس أزمة داخلية في قلب الفكر الرأسمالي.