في ذلك الزمن كان أول الغائبين هو الزمن.. وكأننا لو ذكرنا تاريخ تلك الحوادث، فإننا سوف نزوّرها، كان فعلا فالتاً من الزمن، والزمن كان خائناً للحدث. فكأن عملية التأريخ هي عملية تزوير مهما حاولنا تأريخها..
أنت هنا
قراءة كتاب من سرق الطماطة أيها الوطن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مجلة نسائية
في الجو بعض الرطوبة ونداوة برد.. والطقس متقلب هنا في هذه القارة العجيبة التي أسمتها شهرزاد، قديماً في قصة «ألف ليلة وليلة» بجزيرة الواق واق، أما اليوم فيطلون عليها اسم استراليا، وحتى يومنا الحاضر توجد منطقة تعرّف بذلك الاسم القديم نفسه.
مدينة سدني صبية لعوبة تعاني من الصداع المستمر بسبب كثرة الأشغال واختلاف المناخ. لكن بالنسبة لمحارب قديم فإن الروح في بلد والجسد في بلد آخر، خصوصاً اذا كان ثمة حب يطاردك وعدو لا يرضى أن ينساك.
في آخر لقاء لي بها كنا في محطة قطار الوله، حيث العيون تسجل حكاية الانتظار. والانتظار كعادته طائرة ورقية يتأرجح خيطها بين يدي الطفل الكبير: القدر أو الحظ أو التاريخ.
تلبّكت كثيراً وهي تلعب بإصبعها الشمعية الطرية الشهوة، ثم تنهدت وقالت لي:
ــــــ «هذه مجلة غير ثقافية».
انحنيتُ، بعد استدارةٍ باتجاهها، وقلبي ناقوس يشقق كنيسة الروح:
ــــــ الاهتمام بالمكياج ثقافة، اذ ليس الوعي سوى الاهتمام بما هو جميل وترك القبيح جانباً، هاك انظري أيتها الغالية ماذا تقول خبيرة المكياج «سكوت بارنس» والتي اشتهرت بمكوثها الطويل محظية لدى الفنانة الأميركية الذائعة الصيت جينفير لوبيز:
«لا توجد قوانين تقيد موضة الموسم، فلا تترددي هذه المرة، ولا تفوّتي فرصة تحدي نصوص المكياج والاستمتاع بألوانه الجريئة».
ابتسمت البطة العراقية المملوء قلبها كما جسدها بعقوبة الكيّ. مطّت كلمة «يااا» بعذوبة لا تتقنها سوى السويديات والألمانيات والعراقيات، طبعاً العراقيات لا يعرفن أن هذه مزية مشتركة:
ــــــ «يااا.. صحيح، إنها مجلة نافعة».
ابتسمتُ بخبث الديك بلا خيار إرادي، وقلتُ لها:
ــــــ وتعلمكِ التمرد أيضاً..
المكياج جزء من الثورة الصحيحة.. الثورة التي تصنع مجتمعاً يحتفي بالحب والجمال، لا أن يقوم بالتغرير به وخداعه، كما يقوم الغريب مع نساء الآخرين، أو نقوم بإحراق الجمال، كما يفعل الأقرباء مع نسائهم.
أن تحب الجمال عليك أن تتعلم كيف تُنمي حاسة الذوق والمكياج في روحك وعقلك، والشهوة التي تقطع الوردة هي إرهاص أول للجريمة.
لذا، ففي بعض الأحيان يتحتم علينا أن نكبت فورة الشهوة فينا فداءً لاستمرار الوردة على قيد الحياة.
أرادت البطة أن تجيب، لكن هدير محركات القطار أضاع الصوت، وأبقى العيون ساهمة، مثل يتيم نهبت حلواه على حين غرّة.
هكذا بقي الهواء وحده يتمتم ببقية كلمات ناقصة لم تسعفها الريح على الخروج..
آااخ.. آااخ:
حتى متى تبقى مراكب الحب مُقفلة..
متى يُغيّر القدر من سكة تحولاته ومسيرته..
متى تُفتح هذه الأشرعة.. متى؟!!
* * *