كتاب "الفتاوى الكبرى" - الجزء السادس عشر، يضم بأجزاءه فتاوى الإمام ابن تيمية في أغلب المسائل الشرعية، حيث يجد فيه المسلم ضالته في الإجابة على كثير من التساؤلات التي تعترضه في أموره الدينية والدنيوية، والتي من خلال هذه الفتاوى يسير على هدي الكتاب والسنة، واج
أنت هنا
قراءة كتاب الفتاوى الكبرى الجزء السادس عشر
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 8
أَوْ كَمَا قَالَ ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُنَا اللَّفْظُ فِيهِ تَجَوُّزٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ مِنْ اللَّفْظِ مُرَادُ صَاحِبِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ فِي اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمُتَكَلِّمِ لَا عَلَى الظَّاهِرِ فِي الْوَضْعِ الْأَوَّلِ ، وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْقَوْلَ عَلِمَ الْمُرَادَ بِهِ وَسَبَقَ ذَلِكَ إلَى ذِهْنِهِ بَلْ أَحَالَ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا لَا مُحْتَمَلًا ، وَلَيْسَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مِنْ التَّأْوِيلِ الَّذِي هُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ الِاحْتِمَالِ الرَّاجِحِ إلَى الِاحْتِمَالِ الْمَرْجُوحِ فِي شَيْءٍ ، وَهَذَا أَحَدُ مَثَارَاتِ غَلَطِ الْغَالِطِينَ فِي هَذَا الْبَابِ حَيْثُ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمَفْهُومَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ وَأَنَّ اللَّفْظَ يُؤَوَّلُ .
النَّوْعُ الثَّانِي : مِنْ الْأَلْفَاظِ مَا فِي مَعْنَاهُ إضَافَةٌ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إضَافَةً مَحْضَةً كَالْعُلُوِّ وَالسُّفُولِ وَفَوْقَ وَتَحْتَ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَعْنًى ثُبُوتِيًّا فِيهِ إضَافَةٌ كَالْعِلْمِ وَالْحُبِّ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَجْزِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، فَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ لَهُ مَعْنًى مُفْرَدٌ بِحَسَبِ بَعْضِ مَوَارِدِهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَمْ
يُسْتَعْمَلْ مُفْرَدًا قَطُّ .
الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْمَجَازُ بَلْ يُجْعَلُ حَقِيقَةً فِي الْقَدْرِ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ مَوَارِدِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ لَفْظَ اسْتَوَى لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ جُلُوسِ الْآدَمِيِّ مَثَلًا عَلَى سَرِيرِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ جُلُوسِ الْآدَمِيِّ مَثَلًا عَلَى سَرِيرِهِ حَقِيقَةً حَتَّى يَصِيرَ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا كَمَا أَنَّ لَفْظَ الْعِلْمِ لَمْ تَسْتَعْمِلْهُ الْعَرَبُ فِي خُصُوصِ الْعَرَضِ الْقَائِمِ بِقَلْبِ الْبَشَرِ الْمُنْقَسِمِ إلَى ضَرُورِيٍّ وَنَظَرِيٍّ حَقِيقَةً وَاسْتَعْمَلَتْهُ فِي غَيْرِهِ مَجَازًا بَلْ هَذَا الْمَعْنَى تَارَةً يُسْتَعْمَلُ بِلَا تَعْدِيَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى : { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى } وَتَارَةً يُعَدَّى بِحَرْفِ الْغَايَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } وَتَارَةً يُعَدَّى بِحَرْفِ الِاسْتِعْلَاءِ ، ثُمَّ هَذَا تَارَةً يَكُونُ صِفَةً لِلَّهِ وَتَارَةً يَكُونُ صِفَةً لِخَلْقِهِ ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةً وَفِي الْآخَرِ مَجَازًا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْهَمَ مِنْ اسْتِوَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْخَاصِّيَّةُ الَّتِي تَثْبُتُ لِلْمَخْلُوقِ دُونَ الْخَالِقِ ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَهَا بِأَيْدٍ } وقَوْله تَعَالَى { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } وقَوْله تَعَالَى { صُنْعَ اللَّه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } .
وقَوْله تَعَالَى { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ } .
{ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ } فَهَلْ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُثْبِتَ لِرَبِّهِ خَاصِّيَّةَ الْآدَمِيِّ الْبَانِي الصَّانِعِ الْعَامِلِ الْكَاتِبِ ، أَمْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ حَقِيقَةَ الْعَمَلِ وَالْبِنَاءِ كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ وَيَلِيقُ بِجَلَالِهِ ، أَمْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَصْرُوفَةٌ عَنْ ظَاهِرِهَا ، أَمْ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَقُولَ عَمَلُ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ فَكَمَا أَنَّ