كتاب " البلاغة وتحليل الخطاب "، يتمحور موضوع الكتاب حول إشكالية النسق السيميائي للخطاب الاستعاري، وهو خطاب يفترض فيه أنه منفتح على القراءة والتأويل، لأنه يمثّل خاصية أساسية في اللغة الطبيعية في جوانبها: التمثيلي، الدلالي، والتداولي.
أنت هنا
قراءة كتاب البلاغة وتحليل الخطاب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
البلاغة وتحليل الخطاب
وتؤكد كريستيفا مبدأ التناظر الثنائي، والتحليل المحايث «عالم برنانوس حياة/موت»، والتحليل البنيوي مثلها في ذلك مثل غريماس، بتأكيدها النهاية الاعتباطية أو الاكتمال البنائي للنص الأدبي الذي يستهلك كمنتوج نهائي أي كأثر وانطباع.
تجدر الإشارة هنا إلى أن ج. كريستيفا رغم تأكيدها مفهوم «النص/البنية، المتميز بالانغلاق، أي بإقصاء مرجع النص/العلامة الذي يغدو مجرد وهم لا يحق للسيميالي النظر فيه، لكن هذا لم يمنعها من الاشتغال خارج النص، وهذا باشتغالها على فكرة التناص (l’intertextualité) لباختين (35)، التي طورت فيها فكرة الحوارية (Dialiogisme) ومفادها أن: كل نص استغراق وتحول لنص آخر، والنص الشعري يقرأ على الأقل كمضاعف (36) والنص الأدبي حسب كريستيفا هو لوحة فسيفسائية من الاقتباسات، وكل نص هو تشرّب وتحويل لنصوص أخرى (37).
إن الدراسة التي قدمتها ج. كريستيفا على قدر كبير من الأهمية، لأنها تصب في ما نحن ماضون لإثباته، وهو مرجع العلامة، وإثبات بأن الخطاب يتميّز بنسق مفتوح، تقول كريستيفا في هذا الصدد إن النص يرتبط بالواقع بشكل مزدوج، فهو يرتبط باللسان كانزياح خاضع للتحول، ويرتبط بواقع المجتمع الذي يتوافق مع هذه التحولات، إنه بانزياحه يمس مجموع القيم والمقدسات الاجتماعية ويساهم في حركتها وتطورها (38).
يتميّز مشروع كريستيفا السيميائي، أو ما تسميه السيميائية التحليلية (la sémanalyse) بالاتساع، يبدو أنها احتذت فيه حذو ش.س.بورس، مع اختلاف بسيط هو اشتغالها على النص الأدبي واشتغال بورس على العلوم التجريبية عموماً، مع اهتمام طفيف بالإنسانيات، كما أنها استفادت من المدرسة الفرنسية في اللسانيات، اتساع يفرضه النص الأدبي: «النص أكثر من مجرد خطاب أو قول إذ هو موضوع لعديد من الممارسات السيميولوجية التي يعتد بها على أساس أنها ظاهرة عبر لغوية، بمعنى أنها مكوّنة بفضل اللغة لكنها غير قابلة للانحصار في مقولاتها. وبهذه الطريقة فإن النص جهاز عبر لغوي، يعيد توزيع نظام اللغة، لكشف العلاقة بين الكلمات التواصلية مشيراً إلى بيانات مباشرة تربطها بأنماط مختلفة من الأقوال السابقة والمتزامنة معها والنص نتيجة لذلك إنما هو عملية إنتاجية مما يعني أمرين:
1 ـ علاقته باللغة التي يتموقع فيها تصبح من قبيل إعادة التوزيع...
2 ـ يمثل النص عملية استبدال أخرى للنصوص، أي عملية تناص (intertextualité) . ففي فضاء النص تتقاطع أقوال عديدة مأخوذة من نصوص أخرى، مما يجعلبعضها يقوم بتحييد البعض الآخر ونقضه (39).
انطلاقاً من أنه ممارسة مركبة ينفلت من كل نزعة شمولية، ودراسته تتطلب تحليل الفعل الدال، ووضع المقولات النحوية واللانحوية، بل إنه (أي النص) كل ما يستجيب للقراءة، عبر خاصية الجمع بين مختلف الطبقات الدلالية الحاضرة، داخل اللسان التي تعمل على تحريك ذاكرته التاريخية، فالكتابة منفتحة على أنساق متعددة، لا يمكن إخضاعها لمركز تنظيمي للمعنى خصوصاً والنص الأدبي خطاب يخترق وجه العلم والإيديولوجيا والسياسة ويتطلع دوماً لمواجهتها وإعادة صهرها. والسيميائية ـ حسب كريستيفا ـ تمنحنا أرضية خصبة لبلورة منهج قادر على إنتاج معرفة خاصة بالاشتغال النصي، ومحاولة فهم بناء هذا الخطاب، بالبحث في نواة الدلالة، والاغتراف من أنساق دلالية مختلفة، ليكون موضوعها هو صيغ الدلالة وقوانينها، وبالتالي النفاذ إلى كل المواضيع المتصلة بالفكر والمجتمع، وهي موضوعات تنصهر كلها في النص الذي يعد جزءاً من مواضيع المعرفة السيميائية التي ستتحدد في هذا الميدان أكثر من غيره، وتعطينا نمذجة للنصوص بدراسة بعدها التاريخي والاجتماعي الذي يشكلها في الخفاء (40).
تدعونا كريستيفا صراحة إلى النظر في مشكلات النص، قصد بناء دلاليته، فهي لا ترى حرجاً في الاستفادة من مناهج النقد الأدبي السياقية كالنقد النفسي والاجتماعي... وهي مناهج ثارت عليها البنيوية والسيميائية التي اغترفت بعض مبادئها الأولية من البنيوية.
إن النص ـ البنية المغلقة والمنتهية التي تحدثت عنه كريستيفا في مقالها الموسوم بـ «النص المغلق» قصدت فيه انتهاء وانغلاق الرواية كحكاية وكبناء (منتوج) وكفعل أدبي أو كخطاب أو دليل خاضع للممارسة الاجتماعية حين الكتابة (المنتوج)، ويخضع لها أثناء عملية القراءة التي تبني دلاليته انطلاقاً من موقعها، فالدلالة تنشأ من خلال جدلية بين النص والقارئ، لا في النص معزولاً، ولا في المؤلف، بحسب تعبير م. ريفاتير (41). وهي الفكرة التي دافعت عنها مدرسة كونسطانس الألمانية، من خلال التأكيد على: «دور التلقي والقارئ في بناء النص وإنتاج دلالته» (42).