أنت هنا

قراءة كتاب مأزق الدولة بين الإسلاميين والليبراليين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
مأزق الدولة بين الإسلاميين والليبراليين

مأزق الدولة بين الإسلاميين والليبراليين

يأتي هذا الكتاب (مأزق الدولة بين الإسلاميين والليبراليين) الذي أعده وحرره الكاتب والباحث د.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 10

في الحالة الأولى تكون الدولة سلطانية، خاضعة للعصبية التي تستبد بسلطتها وتسيطر عليها، وتخضع من خلالها المجتمع لنظام ثابت. وفي الحالة الثانية تكون دولة أمة، تعكس نشوء رابطة سياسية تجمع بين مواطنين، وتترجم إرادتهم في العيش المشترك، وترجع إليهم في كل ما يتعلق بمصالحهم العامة والخاصة، وتعمل من خلال مبادئ دستورية وقانونية واضحة ومضبوطة، من حيث أسلوب التشريع وضبط أصوله وقواعد عمله وتعديله.

وكما يتطلب تحديد مفهوم الجماعة التدقيق في الدلالات المختلفة لمصطلح الدولة، السلطانية والديمقراطية، يتطلب تحديد مفهوم الدولة التدقيق في استخدام مصطلح الأمة. فالأمة بالمعنى الديني، وهنا الأمة الاسلامية، ليست هي نفسها المقصودة بالمعنى الوضعي، أي الأمة الحديثة المواطنية. فعندما نتحدث عن الأمة أو الجماعة السياسية اليوم فنحن لا نشير إلى الجماعة الدينية، أو إلى الجماعة الدينية بوصفها جماعة سياسية، ولكن إلى رابطة سياسية مختلفة كليا عن الرابطة الدينية، من دون أن تكون نقيضا لها أو في صراع معها. وهذا التمييز مهم جدا في نقاشنا حول الأوضاع العربية الراهنة التي لا تتطابق الدول القائمة فيها مع الجماعة الدينية بأي شكل.

وعلى سبيل المثال، عندما نتحدث عن إجماع الأمة، من منظور الفقه الاسلامي، ونعني به إجماع الأكثرية الإسلامية في هذا البلد أو ذاك، فنحن ننفي وجود الأمة بالمعنى السياسي، ونرد الرابطة السياسية الجديدة، ربما من دون أن ندري، إلى الرابطة الدينية، ونجعل من غير المسلمين حتما مواطنين مختلفين أو مغايرين، يمكن أن نفكر بأفضل السبل لمعالجة مشكلتهم وضمان العدالة تجاههم، وحتى المساواة، إلا أننا ندمر معنى الأمة بالمعنى الحديث الذي يعني الرابطة السياسية المستندة إلى وجود دولة وسلطة مركزية موحدة وقانون، تتعامل مع المجتمع كأفراد لهم حقوق وعليهم واجبات، أي كأفراد متساوين أمام القانون، ولا تنظر في اعتقاداتهم سواء أكانت دينية أو غير دينية، ولا يهمها إصلاح هذه الاعتقادات أو التدخل في شؤونها. هذا مفهوم آخر للأمة يشير إلى رابطة سياسية قانونية تجمع بين الأفراد بصرف النظر عن اعتقاداتهم، يختلف كليا عن مفهوم الأمة بمعنى الجماعة الدينية التي تؤلف بين أفراد ينتمون إلى عقيدة واحدة هي محور ائتلافهم، وبالتالي وبالضرورة مرجعهم في كل ما يصدر عنهم ويؤسس لوجودهم، بما في ذلك الدولة التي ينضوون تحت جناحها.

- 4-

وربما كان من الأنسب - لإزالة الالتباس - استخدام مصطلح الرابطة السياسية التي تمر حتمًا عبر الدولة، سواء أكانت قائمة فعلاً أو في مسار التكوين، كما هو الحال لدى الحركات القومية الحديثة. فكما ذكرت ليست سياسية أو منتجة لنصاب سياسي وبالتالي لدولة أيُّ جماعة أو رابطة بين الأفراد. رابطة الدين والعقيدة والعصبية القبلية والعائلية ليست رابطة سياسية، وليست منتجة - تلقائيًّا، ومهما توسعت دائرة نفوذها وانتشارها - لرابطة سياسية. وحتى تتحول كل منها أو بعضها إلى رابطة سياسية لا بد أن تطرأ عليها، أو تكون قد طرأت عليها، تحولات عميقة، أي حصلت فيها طفرة، تنتقل بموجبها روح التكافل من إطار العصبية المرتبطة بمشاعر القرابة العضوية، العقيدية أو الدموية، إلى إطار الوعي السياسي بمصير مشترك مرتبط بوجود الدولة، وبالوجود معا داخل الدولة، وبالمسؤولية عنها. لذلك لا تنفصل الأمة - بالمعنى السياسي الحديث - عن وجود الدولة، ولا يمكن التفكير فيها خارجها. وحتى عندما يكون الوعي السياسي مرتبطا بمشروع أمة تتجاوز حدود الكيانات السياسية القائمة، كما هو الحال بالنسبة للقومية العربية، فإن فكرة الأمة لا تستقيم من دون التفكير بدولة الوحدة. بل إن مبرر وجود القومية العربية وهدفها هو تكوين الدولة الواحدة. فالأمة بالمعنى السياسي، أي كرابطة بين أفراد يوحدهم الولاء للدولة القائمة والخضوع لقوانينها، لا تنفصل عن الدولة بالمعنى الوضعي، أي كنتاج إرادة الأفراد واختياراتهم، بما في ذلك، بل في مقدمة ذلك المبادئ والقوانين التي تقوم عليها.

وعدم التمييز بين مفهوم الأمة بالمعنى الديني والمعنى السياسي هو الذي يمنع من إدراك أن الحديث عن أكثرية وأقلية دينيتين، حتى في إطار الدفاع عن مبدأ المساواة، لا معنى له في إطار المفهوم الوطني للدولة. إذ متى ما طبقت فكرة الأمة بالمعنى الحديث الذي يجعل منها التجسيد السياسي لإرادة أعضائها، بصرف النظر عن أصلهم ودينهم، تساوى أفرادها امام القانون، وأصبحوا شركاء متساوين في مشروع أو شركة واحدة هي الدولة، ومنتمين لقانون هو ثمرة اختيارهم وإرادتهم الحرة، ولم تعد الاعتقادات الدينية مكانا للتعريف داخل الدولة وعلى مستواها، حتى إن استمرت محدِّدًا أساسيًّا على مستوى الحياة المدنية والأهلية. وتنتفي في هذه الحالة الحاجة إلى التذكير بالنسبة العددية لهذه الجماعة أو تلك إلى مجموع السكان، ولا يعود لهذه النسبة أيضا أي قيمة في تحديد العلاقة بين الفرد المواطن والدولة.

فليس للمسلم أو لا ينبغي أن يكون له، في منظور الدولة الديمقراطية القائمة على المساواة في المواطنية، مزايا خاصة في علاقته بالدولة تترتب على انتمائه إلى جماعة تشكل أكثرية دينية، ولا للمسيحي واجبات مختلفة أو أكثر لأنه ينتمي إلى جماعة تمثل أقلية دينية. بمعنى آخر ليس للحديث عن أقليات وأكثريات دينية أي معنى في ميدان العلاقة بين الدولة والمواطن الفرد، ولا بالتالي للكلام في المساواة بين الجماعات الدينية أو إنصاف جماعة ضد أخرى، بسبب حجمها أو موقعها، اللهم إلا على سبيل احترام خصوصية بعض الجماعات الثقافية.

الصفحات