أنت هنا

قراءة كتاب وداد من حلب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
وداد من حلب

وداد من حلب

كتاب " وداد من حلب " ، تأليف قحطان مهنا ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

فتح أبو محمود محلَّه في هذا الصباح الربيعي, ووضَّبَ وصانعه البضائع كعادته كلِّ يومٍ, ثمَّ أخذ مقصَّاً طويلاً ورفيعاً وذهب إلى المرآة الصغيرة المعلَّقة على الجدار الداخلي في عمق محلِّه, وبدأ يشذِّب شاربيه.. نظر في المرآة محدِّقاً في وجهه وقال لنفسه: نعم يا سيدي أنت الآن ابن خمس وأربعين سنة , انتبَهَ إلى شعرات الشيب القليلة على فوديه فلم يهتم بها, بعدها جلس منتظراً بدء الحركة في السوق والتي لم تتأخر, الذي تأخَّر هو صاحبه أبو أحمد.

قبل أن ينهي كأس الشاي الأوَّل.. إذ خال زوجته أبو أنور يفاجئه بزيارة في هذه الساعة المبكِّرة.. كان موظَّفاً في المصالح العقاريَّة, وقد تقاعد منذ مُدَّة، وهذا سبب استيقاظه المبكِّر وحاجته للخروج من المنزل.

رحَّب به وجلسا يدردشان, سأله عن أحواله, وعن زواج خديجة ابنة أبي محمود الكبرى, وكم رزقت من الأولاد, وهل تجاوزت زينب الـ 15 عاماً من عمرها, وهل هناك خُطَّاب لها, وعن محمود ودراسته, ثمَّ سأله عن صديق عمره وجاره أبو أحمد الذي يسمع عنه كثيراً, وعن أحواله المزدهرة, فأخبره أبو محمود أنَّ صديقه ـ بعد أن حقَّق حلم حياته بإنشاء مكتبة معتبرة ـ هو الآن بصدد إنشاء معمل نسيج, كانا على وشك تناول الفنجان الثاني من القهوة.. عندما ظهر

أبو أحمد, كان يلبس الجاكيت و البنطلون, حيَّا بحرارة أبا أنور, كان يعرفه جيداً, ثمَّ استأذن ودخل دُكانه الذي سبق لصُنَّاعه أن فتحوه, وخرج بعد دقائق لابساً القنباز والطربوش, وجلس مع الاثنين.

سأل أبو أحمد السؤال المتوقع :

ـ ما رأيك بالأوضاع يا أبو أنور؟..

ـ نحن الآن في العام 1946, الدنيا قائمة قاعدة, الفرنساويون رحلوا, والجميع طاحش على الحكم.

ضحك رأفت وقال :

ـ الأمر طبيعي.. ألم يكن متوقعاً؟..

ـ قل لي يا أبو أحمد, أنا وكثيرون غيري , نتساءل لم رفضت الدخول بالحزب وعندك كلّ المقومات والصفات التي تؤهلك للعمل في السياسة؟..

ـ أنت مُخطئ يا عزيزي.. ليس عندي أي صفة مما ذكرت.

ـ ولو.. ثقافة ومال, وكنت لا تترك مظاهرة أو تحركاً ضد الفرنسيين إلا وتكون أنت وصاحبك أبو محمود على رأسها.

ـ كان الأمر مختلفاً.. الأمر كان يتعلَّق بالتحرُّر من الفرنساويين, السياسة لم تكن موجودة إلا بالاسم.

تدخَّلَ أبو محمود.. الذي كان هو وخال زوجته قد انتسبا إلى حزب الشعب :

ـ رأي أبو أحمد أنَّ الحزبين الرئيسين الآن: الشعب والوطني لا فرق بينهما, حزب الشعب تجمُّع لتجار ومُلاك الأراضي ومؤيدوهم بقاعدة حلبية, والحزب الوطني تجمُّع لتجار وملاك الأراضي بقاعدة شامية , وبقية المدن والمناطق ملحقة بالاثنين.

ـ ولكن هذا اختصار فظيع للأمور فعدد الشوام في حزب الشعب لا يحصى، وعدد الحلبيين في. .

ـ معك حقّ.. التلخيص مرَّات يُشوِّه الفكرة تماماً, على كلٍّ يا أبو أنور الخيار صعب بين الحزبين , فالاثنان وطنيان ومتشابهان, ولو كان الأمر لي لسعيت لضمِّهما في حزب واحد وهذا أفضل للبلد.

أجاب أبو أنور :

ـ ولماذا لا تدخل في أحدهما وتسعى مسعاك النبيل هذا؟..

كان واضحاً أنَّ أبا أنور مُكلَّفٌ باستمالة وتنظيم أبي أحمد، ابتسم رأفت وقال :

ـ الأمور لا تسير هكذا.

ألحَّ أبو أنور وقد شكَّ بأمر هذا المراوغ :

ـ طيِّب.. هناك أحزاب أخرى أصغر, ولكنها فعَّالة أو يُنتظر أن تكون كذلك.. حزب البعث مثلاً وهو قيد الإنشاء حالياً, الحزب السوري القومي, الشيوعي, الأخوان المسلمون.

ـ صدّقني أنا لا أصلح للسياسة, أنا أهتم بها وأجادل فيها كثيراً.. هذا صحيح, ولكن العمل فيها والدخول في زواريبها!.. أنا أعرف إمكاناتي ياأبا أنور أطالَ الله عمرك, على كلٍّ البركة فيك وبأبي محمود.

أتى صانع أبو أحمد يقول أنَّه مطلوب على الهاتف من دمشق, فاستأذن ودخل محلَّهُ.

سأل أبو أنور:

الصفحات