كتاب " وداد من حلب " ، تأليف قحطان مهنا ، والذي صدر عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب وداد من حلب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ـ في مرحلة معيَّنة قيَّد الانكليز هجرة اليهود إلى فلسطين, فجُنَّ جنون اليهود , قاموا بمهاجمة الانكليز.. نصبوا الكمائن ووضعوا المتفجرات وسبَّبوا أذىً كبيراً للقوَّات الانكليزية.. ولكنها مرحلة وانتهت, وعلاقاتهم جيدة الآن.
ـ إذن هو خلاف بين الأحبة..
علَّق أبو قاسم.
تدخَّلَ أبو محمود قائلاً :
ـ وعد بلفور هو وعد انكليزي بالأساس , وأوروبا.. كل أوروبا تريد أن تنتهي من مشكلة اليهود فيصدِّرونها إلينا.
علا صوتٌ :
ـ يبريني عن ديني.. يرحل الانكليز اليوم , ثاني يوم نأكلهم بلا ملح.. ناس جبناء!..
نظر إليه رأفت وابتسم , ثمَّ نظر إلى أبو صطيف.. زميل الدراسة التي تركها باكراً , وكان يُدخِّن الأركيلة , سُمعَ صوت أبو صطيف عالياً:
ـ يا سيدي لم يكونوا يوماً جبناء.. أنا أتكلم عن اليهود هنا.. يهود حلب، طبيعي.. الأمور اختلفت الآن، بعد أن بدأ بنا يهود أوروبا في فلسطين.. تقوقع اليهود هنا على بعضهم , وخافوا من انتقامنا منهم, وهذا ما يظهرهم بمظهر الجبناء.
علت الأصوات هنا وهناك, وتداخلت مع بعضها فالكل يريد أن يتكلَّم, وانتهى الأمر بأن تكلَّموا جميعهم دفعةً واحدةً.
فجأةً ساد الهدوء للحظات, فاستغلَّه أبو خالد.. وهو رجلٌ تجاوز الستين من عمره.. يعمل في سوق الخضار.. قال :
ـ هل تريدون الحقيقة؟.. الحقيقة هي أننا كُنَّا نعيش معهم كالأهل تماماً كانت تحدث مشاجرات نعم, ولكنَّها كالمشاجرات التي تحصل بيننا, بل صدِّقوا أو لا تصدِّقوا أنا نفسي شاركتُ في صغري بأكثر من مشاجرة, وكان في كلا الطرفين يهود وعرب, يا جماعة إنَّهم ناس عاديُّون فيهم الأخيار والأشرار كما عندنا نحن أخيار وأشرار, أمَّا اليهود الأوغاد الذين هبطوا على فلسطين فهم مختلفون عن هؤلاء, أتوا من روسيا وأوكرانيا وبولونيا.. حاقدين مهووسين, هؤلاء من يجب قصف رقابهم لا يهودنا نحن!..
تساءل صوتٌ :
هل سمعتم ما سمعت؟.. يهودهم ويهودنا؟.. ما هذا الكلام الفارغ؟..
فَكَّرَ رأفت في المُغادرة, وعندها سمع أبو جاسم النجار يقول :
ـ الموضوع لا يحتاج شطارة ولا استخارة ولا بكالوريا.. جاء اليهود إلى فلسطين بمهمَّة واضحة.. إنشاء دولة لهم.. نحن مهمَّتنا منع ذلك.
نظر رأفت إليهِ مُعجباً جدَّاً بهذا التلخيص , وقف مُغادراً وهو يقول :
ـ هذا أبسط الكلام وأجمله.
خرج أبو أحمد من المقهى قبل العشاء بقليل, وسار باتجاه حي العزيزية.. كان يريد أن يصل إلى وكالة سنجر قبل أن تغلق أبوابها, في الطريق صادف صديقه أبا اسحق, سارا سويَّةً في نفس الاتِّجاه, سأله أبو اسحق:
هل أنت ذاهب إلى مقهى الأفندي؟!..
لا.. سأسافر غداً إلى الشام , وعندي هنا أشغال صغيرة سأقضيها, كيف أحوالك أنت؟!..