أنت هنا

قراءة كتاب كتاب الميلانخوليا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كتاب الميلانخوليا

كتاب الميلانخوليا

كتاب " كتاب الميلانخوليا " ، تأليف  نجم والي ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

صحيح أنني كنت التقيت بالرجل مرة واحدة في أثناء زيارتي لقبر زوجتي، إلا أننا بالرغم من حديثنا القصير في ذلك اليوم، ظللنا أمينين لما رويناه لبعضنا، كل واحد منا للآخر، متيقنين أن لا وجود لتلك الزهرة التي يُطلقون عليها زهرة القدر، وإلا لكنا حكمنا على أنفسنا بالموت حزناً وألماً لشعورنا بالتقصير والإهمال· ليس هناك أكثر عذاباً من شعور العاشق بتقصيره إزاء حبيبه·

كانت قد مرت قرابة ثمان سنوات على لقائنا اليتيم، عندما كان علي أن أستعيد قصته وقصة زهرة القدر مرة أخرى· هكذا فقدت رؤيته لسنين طويلة، قبل أن ألتقيه في الحفلة الصغيرة التي أقامها العقيد آمر وحدتنا بمناسبة انتهاء الحرب (بالرغم من الشعار المعلن لاحتفالنا بمناسبة انتصارنا!)·

كان الثامن من أغسطس 1988، يوم توقفت الحرب، حينها عادت وحدتنا للتو من الفاو· كنت في الحقيقة أفكر في تلك الظهيرة الحارة في الذهاب إلى بائعة الزهور أولاً، لأشتري منها الزهور ذاتها التي اشتريتها منها قبل ثمان سنوات، لأذهب بعدها إلى المقبرة· من أجل قول الحقيقة كنت قد نسيت حكاية الرجل وحكاية زهرة القدر وما جرى لبناته الخمس، لولا أنني لم أعثر على العجوز بائعة الزهور· فهذه المرة واجهني رجل ضخم الجثة، كث الشاربين، لا أدري لماذا ظننته من رجال الأمن· ربما رأى الرجل تطلعي الغريب به، فقال لي:

- لا تظن أنت الآخر أنني من رجال الأمن أيضاً··ما الذي جرى لكم جميعاً·

ضحكت· فسألني:

- ما الذي يجعلك تضحك؟

أجبته، دون أن أتوقف عن الضحك:

- لا شيء·

حينها تذكرت حديث الرجل معي قبل سنوات في المقبرة، فقلت لنفسي غريب، مثلما هي المرأة تنويع على المرأة الأولى، أي رجل أمن هو تنويع على رجل الأمن الأول ذاته حاولت بعدها تصنع الجدية بالتعبير على وجهي، فسألته عن العجوز التي كانت تبيع الزهور، فقال لي:

- امرأة غريبة، طوال الوقت كانت تتحدث عن زهرة القدر!

فسألته:

- جئت أطلبها منها·

فقال لي متعجباً:

- أنت الآخر!

لبرهة تحرك من مكانه وغادرني إلى زاوية المحل، ليأتي بعدها بحزمة ورد بدا أنه كان قد أعدها سلفاً، قال لي:

- خذ زهرة المساكين، فهي آخر ما تبقى عندي قبل أن أغلق المحل·

أخذتها منه وغادرته، فيما كنت أسمع شكواه خلفي، في الأول يشكون بي كواحد من رجال الأمن، ثم يقولون إنهم يبحثون عن زهرة القدر· خره بالله·

لم أذهب إلى المقبرة· جئت مباشرة إلى الحفلة· طلبت من خادمة العقيد أن تضعها في مزهرية صغيرة· فعلت ذلك بسرعة، وحملتها لي، وقالت من الأفضل أن أضعها عند الشرفة· وضعتها في زاوية بعيدة عن زحام المحتفلين· ولقول الحقيقة كنت حاولت جهدي إخفاءها عن أنظار ضباط الوحدة، الذين أعرف سخريتهم من الورد تماماً، فكيف لي أن أروي لهم عن الموت بسبب زهرة القدر، وهم الذين اعتادوا الموت بسبب إطلاق المدافع أو قصف الطائرات أو انفلاق القنابل·

مرت الأمسية بصورتها العادية· قرأ أحد الضباط كلمة بالمناسبة، ذاكراً انتصار قواتنا في معاركها التي خاضتها، فيما ألقى الآمر قصيدة عمودية أثارت قهقهة الحاضرين، لما احتوته من غزل وتلميحات جنسية، لم تخل من حدة ومباشرة في أكثر من موضع، فيما رحت من طرفي أراقب حزمة الورد من لحظة إلى أخرى، حتى حدث الذي جعلني أروي هذه القصة·

لا أدري، ربما كانت الساعة قد قاربت الثانية عشرة، وكان أغلب المدعوين قد غادر الحفل· اتجهت مثلما كنت أفعل كل مرة، لأرى حزمة الورد بصورة روتينية· لبرهة وقفت مشدوهاً هناك· في الوهلة الأولى خمنت أنني سكران، وإلا كيف كان لتلك الحزمة التي احتوت ربما على عشرين زهرة (على الأقل) أن تختفي· كلا··كلا، ربما أكون أخطأت بالشرفة· درت مثل ثور معصوب، على طول الشرفة وعرضها، ولو كانت هناك شرفة أخرى لذهبت وبحثت عنها، ولكني كنت متيقناً، أنها الشرفة الوحيدة· لم تستغرق حيرتي وقتاً طويلاً، إذ أحسست بيد تربت فوق ظهري (عرفت بعد التفاتي بأنه كان العقيد):

- هل تبحث عن زهرة القدر؟!
 

الصفحات