أنت هنا

قراءة كتاب كتاب الميلانخوليا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كتاب الميلانخوليا

كتاب الميلانخوليا

كتاب " كتاب الميلانخوليا " ، تأليف  نجم والي ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 10

عليّ الرحيل، لا أستطيع تسديد ديون أبي·

كان يقصد ديون جدي الذي مات فجأة بالسكتة القلبية وترك خلفه ديناً كبيراً لبساتينه التي مرض نخيلها فجأة· ما أزال أتذكر الليلة التي رحل فيها أبوك إلى الكويت·

قالت أمي وكأنها تواسيني:

الكل كانوا يرحلون إلى الكويت·

تلك الليلة ازدادت حماي، كم كرهت الكويت! وكأن أبي قد تزوج من امرأة أخرى!

هكذا تركنا أبي لأمي مع ثلاث عشرة خالة في بيت كبير، ومع جدتي· كنا نسكن في حي التنومة في المرة الأولى· وربما كنا بقينا نسكن هناك لولا موت جدتي شهوة، فحتى وقت قريب كان سركال بساتين التنومة المجاورة لبساتين جدي يصبر على سكننا في البيت القديم احتراماً لزوجة جدي الذي كان سركالاً مثله؛ وبموت جدتي التي كان يخاف منها أكثر من خوفه من الله، فقدنا آخر دعامة لنا· هكذا جاء ذات ليلة سوداء ماطرة يطلب منا مغادرة البيت وبصحبته ضابط من حامية المدينة المجاورة - ما أزال أتذكر تقاطيع وجهه القاسية - عرفنا بعدها أنه أخذ أكبر قطعة أرض في المنطقة مقابل خدماته التي قدمها للسركال·

كان ذلك انتقالنا الأول· قد يبدو من الصعب جداً إيجاد بيت يسع عائلة كبيرة مثلنا· ولكن أبي الذي كان يشتغل آنذاك في مقبرة الإنكليز، تعلم منهم طريقة عملية للنوم: أسرة فوق بعضها لها سلالم· هكذا حتى وقبل أن تتزوج أخواتي الأخريات كنّ ينمن على سريرين بمدارج عالية· أما خالات أمي فقد كن ينمن كل ستة على جهة· كن عوانس لم يتزوجن - يعلم الله لماذا؟ - لم أرهن يفرحن مرة باستثناء ذلك اليوم الذي عرفن فيه القصة التي أروي لكم بسببها ما جرى، والتي جعلتني أحزن وأعيش منعزلاُ مع نفسي منذ ذلك اليوم، والتي تركت أختي ريما قاعدة في فراشها بعد محاولات عديدة وفاشلة في جرع السم والانتحار·

ربما كانت تلك المفارقة التي عشتها لزمن طويل مع ريما· فحتى رحيل أبي إلى الكويت كانت أسرتنا بازدحامها - ثلاث عشرة خالة وخمس أخوات - وكان من الصعب رؤية أي أمر غريب· ولكن بعد زواج أخواتي الخمس الأخريات، بقينا أنا وريما فقط من ينام فوق تلك الأسرة، حتى إننا كنا نجد لذة في الانتقال من سرير إلى آخر· لقول الحقيقة لم نكن أخاً وأختاً فقط، إنما كنا صديقين، وكانت ريما تسألني دائماً الاحتفاظ بأسرارنا لنا وحدنا· في تلك الأيام، كان لريما ثلاثة عشر عاماً وكان لها سرها·

قبل أن أعرف سر ريما الذي أريد أن أرويه لكم، كنت قد شعرت بتبدلها· من الصعب عليّ الحديث بصورة دقيقة عن السبب الذي حملني على التفكير بتغيرها، ولكن كنت متيقناً من تغير - صديقتي إن شئتم! - ريما· فبشكل عام وبحدود ما يخص عائلتنا، كانت ريما أجملنا، وأكثرنا حساسية وذكاء وتنجح في المدرسة كل سنة بتفوق، حتى إنها كانت تتبختر أمامنا بمدالية فارسة الصف ربما لهذا السبب فرضت علينا جميعاً حبها· حتى خالات أمي الثلاث عشرة - العوانس - لم يرفضن طلباً لها· على العكس، إذا ما طلبت منهن شيئاً، جئن في اليوم التالي إلى صومعتنا سوية يعطينها ما طلبته، ويسألنها بحنو في ما إذا كانت ترغب بشيء جديد· وكانت ريما تضحك في الأول، قبل أن تطلب منهن مغادرة الغرفة، وإذا ما تطلب مزاجها فتصيح بهن:

يلله، بره، واحدة وراء الأخرى·

ثم تلتفت إليّ وتقول غامزة، بينما لا تغادر الضحكة ثغرها:

تريد أصرخ بهن في المرة القادمة·

فأقول لها خائفاً:

أرجوك، اتركيهن!·

لا أدري لماذا كنت أخاف خالاتي الثلاث عشرة، خالاتي العوانس - لكن تلك قصة أخرى ـ

عندما أتحدث الآن عن القصة يحضرني كل التفسيرات المنطقية الممكنة، التي كانت تحمل خالاتي العوانس على التصرف هكذا، أقصد على الإذعان الكامل لها· ولكن في تلك الأيام، لم تتعلق المشكلة بسلوك خالاتي فقط، إنما كان كل شخص منا في العائلة يتصرف بوعي وبإرادة، يذعن لتلبية كل ما كانت ترغب به ريما: كنا مخدرين جميعاً بحب ريما·

كانت ريما الأكثر سحراً وإغراءً ولطفاً منا جميعاً، وأعتقد أن هذا يكفي لإسكات قبيلة كاملة؛ فكيف بي أنا الذي كان ما يزال صبياً آنذاك، أقصد بالذات عندما جاءتني ذات مساء وقالت لي:

لم أطلب منك أن تأتي معي في يوم آخر· أرجوك اليوم فقط!·
 

الصفحات