قراءة كتاب الإستعراب الإسباني وجاذبية الحضارة الإسلامية في الأندلس

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإستعراب الإسباني وجاذبية الحضارة الإسلامية في الأندلس

الإستعراب الإسباني وجاذبية الحضارة الإسلامية في الأندلس

كتاب " الإستعراب الإسباني وجاذبية الحضارة الإسلامية في الأندلس " ، تأليف د. محمد العمارتي ، والذي صدر عن دار الجنان عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

2- بداية الانفتاح على عوالم متاخمة ( العالم العربي الإسلامي)

في سنة 1927 سيسافر غوميث إلى أرض الكنانة لتعميق معارفه، وكذا توسيع تكوينه في اللغة العربية وثقافتها؛ وبها « قضى غرسية غوميس[ غارثيا غوميث ] سنة وبضعة أشهر بين سنتي 1927 و 1928 وهي فترة ظل يذكرها طيلة حياته، إذ كان يعدها أخصب فترات تكوينه العلمي، فقد توثقت صلته خلالها بأستاذين جليلين احتفيا به، وهما أحمد زكي باشا "شيخ العروبة" والدكتور طه حسين الذي كان يخوض آنذاك معركته المترتبة على نشر كتاب " في الشعر الجاهلي" وهكذا أصبح المستشرق الإسباني الشاب شاهدا على تلك الحياة الثقافية الخصبة التي كانت تموج بها مصر في أواخر العشرينيات»[13].

وفي مصر المحطة الأولى المبكرة لبداية اكتشافه لهذا العالم استقبله القطب الكبير (شيخ العروبة) أحمد زكي باشا صديق خوليان ريبيرا وميغيل أسين وصديق إسبانيا؛ استقبله بحفاوة كبيرة؛ كان ذلك في سنة 1927. يقول غوميث عن ذلك: » وصلت إلى مصر في عام 1927، كان عمري حينها 22 سنة. في الواقع كانت أول مرة أسافر فيها خارج إسبانيا، فلم أكن أعرف سوى بعض المناطق في جنوب فرنسا. ذهبت إلى مصر وأنا أحمل رسالة توصية إلى أحمد باشا؛ لم أكن أنتظر أن يكون لهذه الرسالة تلك الأهمية، حيث استقبلني أحمد زكي باشا استقبالا حارا، وخلال العام ونيف الذي عشته في مصر، كنت أذهب إلى منزله مرتين كل أسبوع، هناك تعرفت على الكثير من الشخصيات في "دار العروبة" بالجيزة « [14].

وبالقاهرة كانت اهتمامات غوميث وانشغالاته العلمية والمعرفية تتوزع بين الحضور المتواصل للجلسات والندوات العلمية التي كان يعقدها أحمد زكي في منزله بالجيزة[15]، وبين محاضرات طه حسين العلمية والأكاديمية في الجامعة (كلية الآداب)، وهناك بالقاهرة بدأ غوميث في تحقيق حلمه في الاقتراب أكثر فأكثر من الثقافة العربية الإسلامية، ومن المجتمع الإسلامي ومن عاداته وتقاليده ومن أعلامه في الأدب والثقافة والفكر الذين كانوا معروفين في المشهد الثقافي المصري كتوفيق الحكيم وغيره.

فعن بداية معرفة غوميث بطه حسين، يقول: «.... وعن طريقه[16] تعرفت على طه حسين، في الوقت ذاته كنت أحضر بعض المحاضرات في كلية الآداب التي كانت في (قصر الزعفران) بالعباسية، وكان من بين المحاضرين هناك المستشرق الإيطالي الشهير "نللينو" وحضرت دروس طه حسين، ومن يومها جمعت بيننا صداقة قوية حتى وفاته«[17].

وفعلا ظل غوميث وفيا لأستاذه طه حسين معترفا بجميله وبفضله لم ينسه أبدا، كانت مرحلة مصر بالنسبة إليه بمثابة انطلاقة لعلاقات دائمة ومستمرة وممتدة في الزمان والمكان، وهكذا كان يحتفي غوميث بطه حسين حينما كان يزور إسبانيا، فيستقبله استقبال من يَرُدُّ دينا كبيرا كان عليه إزاء شخص عزيز على قلبه وعقله؛ يكن له كل ألوان التقدير والاحترام؛ يقول غوميث عن ذلك: « سعيت إلى دعوة طه حسين إلى إسبانيا مرتين، في الأولى كان ضد الحكومة، يومها لم تتحرك السفارة لاستقباله، ولكنني قدمته إلى الكثير من

الشخصيات مثل أورتيغا إي غاسيط[18]... وفي المرة الثانية أتى بصفته وزيرا للمعارف لافتتاح المعهد المصري في مدريد، وتم تشييد هذا المعهد بعد أن تغلبت أنا وطه حسين على الصعاب التي كانت تقف في طريقه، كان من عادتي أن أسافر كل عام مرة إلى مصر حيث كنت ألتقي به خلال هذه الزيارة«[19].

تركت مصر في حياة غوميث تأثيرات ظاهرة لم يستطع أن يتخلص منها أو ينساها طول حياته، فانعكس ذلك كله بشكل واضح في مؤلفاته وأعماله وتصوراته المستقبلية، لقد تغيرت مفاهيمه ورؤيته للأدب وللثقافة العربيين الإسلاميين ، فأضحى يفكر التفكير العملي في كيفية ترجمة هذا التغيير الجديد إلى حقيقة ملموسة وإلى فعل وسلوك عمليين تطبيقيين عند ما يعود إلى بلاده، فما كان منه إلا أن أصدر مقالا مهما بمجلة "الغرب Occidente" مباشرة بعد عودته إلى إسبانيا عن "الشعر الأندلسي" الذي كان نواة لكتابه العالمي الذائع الصيت (أشعار أندلسية) Poemas arábigoandaluces.

وكانت المادة الأدبية التي اعتمدها غوميث متنا رئيسا في أعماله ودراساته إلى حدود تلك الفترة مستقاة من كتاب مهم جدا هو "رايات المبرزين وغايات المميزين"[20] لابن سعيد المغربي، الذي أهداه إياه أحمد زكي باشا كثمرة طيبة لعلاقة حميمة قوية تربط بين الرجلين، يقول محمود علي مكي: » أثمرت صداقة غارسيا غوميس لهذا العالم الجليل حدثا أصبح له أبعد الآثار في حياته المستقبلية، وذلك أن أحمد زكي باشا أهدى ضيفه الإسباني مخطوطة نادرة لكتاب "رايات المبرزين وغايات المميزين" لابن سعيد المغربي وهو مجموعة مختارات شعرية أندلسية انتخبها المؤلف من موسوعته الكبيرة "المغرب في حلى المغرب"«[21] .

الصفحات