كتاب " دروب النعيم " ، تأليف جيمس آلان ، ترجمة جانبوت وليد حافظ ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب دروب النعيم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

دروب النعيم
لا تجتـرَّ تلك الخطايا وأخطاء الأمس حتى تفقد كل الطاقة والذهن المتبقي، لتعش اليوم بشكل صائب، ولا تفكر بأن أخطاء الأمس يمكنها أن تمنعك من عيش اليوم بصفاء. ابدأ اليوم بداية صائبة، واستمدَّ من تراكم تجارب أيامك الماضية، لتعيش أفضل من كل أيامك السابقة. لكنك لن تستطيع عيشها أفضل ما لم تبدأها بدايةً أفضل. صورة اليوم كلها تعتمد على صورة بدايته.
البداية الأخرى ذات الأهمية الكبيرة هي بداية أي مسؤولية محددة. كيف يبدأ الشخص بناء منزله؟ يضع في البداية خطة مدروسة للمبنى ثم يشرع بالبناء وفقاً للخطة متبعاً إياها بدقة في كل تفصيل، فيبدأ من الأساسات. أَلَهُ أن يتجاهل البداية؟ بدون رسم الخطة المدروسة سيضيع جهده هباءً، وكذلك بناؤه. وإن وصل النهاية دون أن يجمع الأجزاء معاً، فسيكون بناؤه قلقاً عديم القيمة. تنطبق القوانين نفسها على أي عمل مهم: البداية الصائبة والأساس الأول هو الخطة الذهنية المحددة لما تزمع بناءه. لا تقبل الطبيعة العملَ المبتذل، والإهمال، وتُـفني الفوضى، أو بالأحرى فإن الفوضى فناءٌ بحد ذاتها.
النظام، والتحديد، والغاية، هي السائدة سيادة دائمةً وشاملة، ومن يتجاهل في أعماله هذه العناصر يحرم نفسه من تحقيق النجاح الاستثنائي الأقرب للكمال.
"الحياة دون خطة
عديمة الجدوى كلحظة بدأتْ
لا تخدم أكثر من كونها تربةً للسخط
لم يُـبذل أكثر من نصف جهدٍ لتُـعاش"
فلتفرض أن شخصاً ما يبدأ عملاً دون أن يرسم في ذهنه خطةً مدروسة بدقةٍ لتحقيق أهدافه بمنهجية، سترى أن جهوده غير منسجمةٍ، وستراه يفشل في عمله. القوانين التي لا بد من مراعاتها عند بناء منزل، نفسها نافذةٌ عند الشروع بعمل ما. الخطة المدروسة يتبعها جهد متناغم، والجهد المتناغم ينتج نتائج محبوكة ومرتبة وصولاً إلى شيء قريب من الكمال، وإلى النجاح والسعادة.
لكن ليست الاستثمارات العملية أو التجارية وحدها، بل إن كل المسؤوليات مهما كانت طبيعتها تخضع لهذا القانون. كتاب المؤلف، ولوحة الرسام، وخطبة الخطيب، وعمل الإصلاح، وآلة المخترع، وحملة الضابط، جميعها تُـرسم كخطةٍ في ذهن صاحبها قبل القيام بأي محاولة لتحقيقها، وبشكل متوافق مع وحدة الخطة الذهنية الأصلية وتماسكها وكمالها تكون صورة النجاح الفعلي النهائي لهذه المسؤولية.
الرجال الناجحون وذوو التأثير، والأشخاص الجيدون، هم أولئك الذين بين أشياء أخرى تعلموا القيمة واستخدموا القوة المخبأة في تلك البدايات الغامضة التي يتجاوزها الحمقى إذ يرونها "غير مهمة".
لكن البداية الأكثر أهمية والتي يعتمد عليها الأسى أو النعيم، والأكثر إغفالاً والأقل فهماً في الوقت نفسه؛ هي إدراك الفكرة في الجانب الخفي من الذهن والسبـبي في الوقت نفسه. إن حياتك بأكملها عبارة عن سلسلة من الآثار التي تكمن مسبباتها في الفكرة، في أفكارك نفسها. تُـصنع كل الأفعال وتصاغ في فكرة، وكل الأفعال الجيدة والسيئة مجـردُ أفكارٍ متجسدة. البذرة الموضوعة في الأرض هي بدايةٌ لنبات أو شجرة، تنتش البذرة لتتجسد نباتاً أو شجرةً وتتطور. والفكرة المحمولة في الذهن هي بداية سلسلة من الأفعال: ترسل الفكرة أولاً جذورها لتتعمق في الذهن، ثم تنـدفع متقدمةً إلى النور في الشكل أو الفعل الذي يتطور إلى شخصيةٍ وقدر.
الضغينة والغضب والحسد والجشع والأفكار غير الصافية، جميعها بدايات خاطئة تؤدي إلى نتائج مؤلمة. أما أفكار الحب واللطف والنبل، وإيثار الآخر، والأفكار الصافية، فهي البدايات الصحيحة التي تؤدي إلى نتائج مباركة. الأمر بسيط جداً وواضح وصحيح تماماً! ومع ذلك فكم هو متجاهَـلٌ ومُتَـجنَّـبٌ وغير مفهوم!
يحصد البستاني الذي يدرس بعناية كيف يضع بذوره ومتى وأين يحصد أفضل النتائج، ويكسب معرفةً أعمق بأمور البستنة. ويرى أفضل المحاصيل فتَـسعدُ روحه؛ إذ تبع أفضل البدايات. والشخص الذي يدرس بصبرٍ كيف يضع في ذهنه أفكار القوة والحكمة والخير يحقق أفضل النتائج في حياته، ويكسب أوسع معرفةٍ بالحقيقة. يأتي النعيم الأكبر لمن يزرع في ذهنه أكثر الأفكار صفاءً ونبلاً.
لا تتبع الأفكارَ الصائبة إلا أفعالٌ صائبة، ولا تأتي الحياة الصحيحة إلا من الأفعال الصائبة، ويتحقق كل النعيم من خلال العيش الصائب للحياة.
ذلك الذي يتفكر بالطبيعة ويستمد أفكاره منها، ومن يكافح يومياً لاستبعاد الأفكار السيئة واستبدال أفكار الخير بها، يصل أخيراً ليرى أن الأفكار هي البدايات للنتائج التي تؤثر في كل خيط من نسيج كيانه، وأنها تؤثر بقوة على كل حدثٍ وظرفٍ في حياته. وعندما يرى هذا فإنه يفكر الأفكار الصائبة، ولا ختار إلا القيام بالبدايات الذهنية التي تؤدي إلى السلام والنعيم.
الأفكار الخاطئة مؤلمةٌ عند التقاطها، ومؤلمة في أثناء نموها، ومؤلمة في ثمارها. أما الأفكار الصائبة فمباركةٌ عند التقاطها، ومباركةٌ في أثناء نموها، ومباركة ثمارها.
كثيرةٌ هي البدايات الصائبة التي على الإنسان أن يكتشفها ويتبناها في طريقه إلى الحكمة، لكن هذا هو الأول والأخير، وهو الأكثر أهميةً وعلاقةً، وهو المصدر ومنبع كل سعادة دائمة، وهو البداية الصائبة للعمليات الذهنية، ويتطلب هذا تطوراً مستمراً لضبط النفس، وقوة الإرادة، والجَـلَـد والقوة، والصفاء واللطف والتبصر، والقدرة على الفهم والشمولية. يؤدي هذا إلى مثالية الحياة، وذلك لأن من يفكر بالكمال يستبعد كل التعاسة، وتمتلئ كل لحظاته بالسلام، وتنعم سنواته بالبركة، وقد وصل إلى النعيم التام والكامل.