أنت هنا

قراءة كتاب دروب النعيم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دروب النعيم

دروب النعيم

كتاب " دروب النعيم " ، تأليف جيمس آلان ، ترجمة جانبوت وليد حافظ ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2014 .
 ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

يصل الإنسان العظيم إلى العظمة من خلال الانتباه الدقيق وغير الأناني الذي يعيره للواجبات الصغيرة. ولقد أصبحَ حكيماً وقوياً من خلال تضحيته بطموحه وغروره وقيامه بتلك الأشياء الضرورية التي لا تجلب له أي تصفيق أو تهليل أو مكافأة. لم يسعَ يوماً إلى العظمة، إنما سعى إلى الإخلاص، والغيرية، والنزاهة، والحقيقة، ومن خلال إيجاد هذه في محيط المهمات الصغيرة والواجبات ارتقى دون وعي منه إلى مستوى العظمة.

يعلم الإنسان العظيم القيمة الهائلة التي تحملها اللحظات والكلمات والتحيات ووجبات الطعام واللباس واللباقة والراحة والعمل والجهد الذاتي، والالتزامات العابرة في ألـفِ الأشياء التي تضغط عليه للفت انتباهه للحظةٍ ضمن تفاصيل الحياة العامة. يرى كل شيء موزَّعاً توزيعاً إلهياً، لا يحتاج أكثر من تطبيق الفكر الهادئ والفعل من جانبه ليصل إلى حياة مباركةٍ مثالية. لا يتجاهل أي شيء، ولا يتعجَّـل، ولا يسعى إلى التهرب من أي شيء إلا الخطأ والحماقة، ويقوم بكل واجبٍ كما يطلب منه، ولا يماطل أو يندم. ومن خلال تقديمه نفسهُ دون تحفظٍ لواجبه الحالي، ناسياً المتعة والألم، يصل إلى تلك البساطة الشبيهة ببساطة الأطفال والقوة اللاواعية التي هي العظمة.

نصيحة كونفوشيوس لتلاميذه: "كل على مائدتك كما تأكل جالساً على مائدة ملك"، تشدد على الأهمية غير القابلة للقياس للأشياء الصغيرة، وتشدد عليها أيضاً عبارة أخرى لمعلم عظيم آخر هو بوذا: "إذا كان لأي شيء أن يُـفعل، فليفعله الإنسان، وليفعله بهمة". إن تجاهل الواجبات الصغيرة، أو الاعتذار عنها بأسلوب لا مبالٍ أو بتكبر، هو علامة الضعف أو الحماقة.

إن بذل المرء انتباهه الكامل والغيري لكل واجب في مكانه المناسب يتطور بنمو طبيعي إلى تركيبات من المهمات أكثر فأكثر تعقيداً، لأنها تطور القدرة، وتطور المهارة والعبقرية والخير في الشخصية. ويرتقي الإنسان إلى العظمة طبيعياً ودون وعي كما يطور النبات زهرته، وبالطريقة نفسها من خلال التوفيق لطاقةٍ دؤوب لا تعرف الكلال، واضعاً كل جهدٍ وتفصيل في مكانه المناسب، وتوفيق حياته، من ثم، وشخصيته دون هدر طاقته أو تشتيتها.

من بين وصفاتٍ لا تحصى انتشرت في كل مكان لتطوير "قوة الإرادة" و "التركيز"، يبحث المرء عبثاً عن أي نصيحة متكاملة وقابلة للتطبيق على تجربة حية. "التنفس، وضعية الجسم، التخيل، الأساليب السحرية" جميعها ممارسات مخادعة ومصطنعة وبعيدة عما هو حقيقي وجوهري في الحياة، في حين أن المسار الحقيقي، مسار الواجب المتمثل في الإنجاز المستمر والصادق لمهمات المرء اليومية، والتي يمكن من خلالها وحدها أن تتطور قوة الإرادة وتركيز الأفكار تطوراً شاملاً وطبيعياً، يبقى هذا المسار مجهولاً، غير مطروق، وغير مستكشف حتى من قبل النُّـخبة.

لابد من التخلي عن أساليب القسر والتقييد التي تهدف إلى كسب السيطرة، وليس هناك من طريق بين الطفولة والبلوغ إلا عبر النمو، وليست هناك أية طريق أخرى من الحماقة إلى الحكمة، أو من الجهل إلى المعرفة، أو من الضعف إلى القوة. على المرء أن يتعلم كيف ينمو شيئاً فشيئاً ويوماً بعد آخر بإضافة فكرة إلى أخرى، وجهدٍ إلى جهد، وفعلٍ إلى آخر.

صحيح أن المسكين يكسب نوعاً من السلطة من مثابرته الطويلة على "الوضعيات" و "التذلل"، لكنها سلطة باهظة الثمن، وذلك الثمن هو خسارة مكافئة في القوة لكن في اتجاه آخر؛ فلا يكون قوياً أو شخصية مفيدة أبداً، بل يبقى مجرد متخصص مبدع ببعض الخدع النفسية، وليس رجلاً متطوراً إنما هو رجل مبتور.

الصفحات