كتاب " دروب النعيم " ، تأليف جيمس آلان ، ترجمة جانبوت وليد حافظ ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر عام 2014 .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب دروب النعيم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

دروب النعيم
ما الطبيعة الحقيقية للصعوبة؟ أليست حالةً غير متمكَّـنٍ منها تماماً وغير مفهومة بكل ما تحمله؟ هي من ثم تستدعي التطوير والتدرب على الرؤية الأعمق، وتوسيع الذكاء أكثر مما تحقق حتى الآن. إنها حاجةٌ عاجلةٌ لاستخدام الطاقة غير المستخدمة، وتتطلب التعبير وتوظيف القوة الكامنة والموارد الخفية. وهي من ثم ملاكُ خير، وإن كان متخفياً، كصديق أو معلم، وعند الإصغاء إليه بهدوء وفهمه بالشكل الصحيح فإنه يؤدي إلى نعمة أعظم وحكمةٍ أكبر.
لن يكون هناك تقدم من دون الصعوبات، ولا تجليات، ولا تطور، وسيسود الركودُ العالمَ، وتموت البشرية مللاً.
فلينتعش الإنسان حين يواجه العقبات لأنها تعني أنه وصل إلى نهايةِ مرحلةٍ محددة من اللامبالاة أو الحماقة، وأنه مدعـوٌّ الآن إلى استجماع طاقته وذكائه لتخليص نفسه وإيجاد طريق أفضل، ويعني أن الطاقات في داخله تطالب بمزيد من الحرية، وزيادة الخبرة وتوسيع المنظور.
لا يمكن لحالة أن تكون صعبة بذاتها، إنما هو افتقاد البصيرة للتعمق في تعقيداتها، والرغبة بالحكمة في التعامل معها، وهو ما يجعل الصعوبة تظهر، وعليه فإن السمـوَّ فوق الصعوبات يحقق كسباً لا يقاس.
لا تنبع الصعوبات اعتباطاً أو مصادفةً، بل إن لها أسبابها، وهي تستدعى بفعل قانون التطور ذاته، وبالضرورات المتزايدة لوجود الإنسان. وهنا تكمن بركتها.
توجد طرائق للعيش تنتهي لا محالة بتعقيدات وحيرة، وهناك طرائق للعيش تؤدي لا محالة أيضاً إلى الابتعاد عن الحيرة المربكة. ومهما ربط الإنسان نفسه بقوةٍ فإنه يستطيع دائماً أن يتحرر من قيده. ومهما تاه في مستنقع المشكلات بسبب جهله هائماً على وجهه في دروب الحيرة، يمكنه دائماً أن يجد الطريق التي أضاعها: طريق البساطة التي تؤدي في خط مستقيم وواضح إلى المدينة المشمسة: مدينة الحكمة والنعيم. لكن الإنسان لا يمكنه أبداً أن يفعل هذا من خلال القعود باكياً ومحبطاً، ولا بالتذمر والقلق وتمني أن يتغير حاله هذا دون هدفٍ واضح. تتطلب معضلته التيقظ والتفكير المنطقي والحسابات الهادئة. ويتطلب موقعه أن يضبط نفسه بحزمٍ، وأن يفكر ويبحث، وأن يستنهض نفسه ويبذل جهداً متقداً متواصلاً ليكسب نفسه من جديد. لا يخدم القلق والتوتر إلا في زيادة البؤس والمبالغة في رؤية حجم الصعوبات. إنْ عليه إلا أن يحمل نفسه بهدوء نحو تنفيذ مهمته، ويعيد التفكير مرةً أخرى بالطريق الأكثر أو الأقـلِّ تعقيداً الذي أوصله إلى مكانه الحالي، وسيدرك أين ارتكب الأخطاء، وسيكتشف تلك الأماكن التي اتخذ فيها منعطفات خاطئة، وأين كان يمكن لقليل من التفكير أو المحاكمة أو التنظيم أو إنكار الذات أن ينقذه. سيرى كيف ورط نفسه خطوةً بخطوة، وكيف كان لمحاكمةٍ أكثر نضجاً ولحكمةٍ أوضح أن تمكِّـنه من اتخاذ مسار مختلف تماماً منذ البداية.
بعد قطع هذه المسافة، وبعد أن استخلص من أحداث الماضي هذه الحكمة الذهبية التي لا تقدر بثمن فإن الصعوبة التي يمر بها ستبدو أقـلَّ منعةً وحصانة، وسيتمكن من وضعها تحت ضوء التفكير الهادئ، وأن يعمل على تشريحها بعمق، ليفهم تفاصيلها كلها، ويدرك العلاقة بين هذه التفاصيل وبين المصدر الدافع للفعل في نفسه. تنتهي الصعوبة عند القيام بهذا لأن طريق الخروج منها سيرتسم واضحاً، بعد أن تعلم هذا الشخص درسه، واكتسب من الحكمة ونصيباً من البركة لا يمكن تجريده منها أبداً.
مثلما توجد طرق من الجهل والأنانية والحماقة والعمى تنتهي بالارتباك والحيرة، كذلك توجد طرق المعرفة وإنكار الذات والحكمة والتبصر تؤدي إلى نهاياتِ السعادة والسلام. ومن يعرف هذا يواجه الصعوبات بروحٍ شجاعة، ويتغلب عليها، ويستنبط الحقيقة من الخطأ، والبركةَ من الألم، والسلام من الاضطراب.