أنت هنا

قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

(2) مـاذا لو تنــازل هـارون للحلــو؟

تم نشر هذا المقال قبل بضعة أيام من انتخابات والي ولاية جنوب كردفان حيث توقع المقال فوز هارون وعندها سوف يتمرد الحلو. لذلك دعا إلى تنازل هارون للحلو لكسب النوبة وتجنب الحرب. وبالفعل جرت الانتخابات وفاز هارون واندلعت الحرب في جنوب كردفان حتى وصلت (الجبهة الثورية) إلى مناطق في شمال كردفان (مدينة أمروابة).تم نشر هذا المقال في صحيفة "السوداني" السياسية اليومية الصادرة في الخرطوم في يوم 22/4/2011:

قد يكون هذا الاقتراح جاء متأخراً بعض الشئ لكن يمكن النظر فيه حتى بعد إعلان النتيجة. فمن الأرجح أن يفوز مولانا أحمد محمد هارون في انتخابات التنافس على منصب والي ولاية جنوب كردفان، خاصة بعد دخول تلفون كوكو في السباق حيث يشكل دخوله خصما على أصوات عبد العزيز الحلو المنافس الوحيد لهارون.

لكن إذا فاز هارون فإن النظرة البعيدة للحصيلة السياسية النهائية لمثل هكذا نتيجة ربما تؤدي إلى خسارة سياسية للمؤتمر الوطني في جنوب كردفان من واقع خصوصية هذه الولاية التي تمثل (شمال-جنوب) من زاوية الهويات. هذا الوضع الاستثنائي لهذه الولاية وما يعتري الواقع السياسي والأمني هناك من ارهاصات غير مأمونة العواقب دفعني للتفكير في أن أقترح للمؤتمر الوطني تصرفاً استثنائياً حيال هذه الولاية.

أقترح أن يتنازل مولانا هارون للسيد عبد العزيز الحلو حتى ولو جاءت النتيجة لصالح الأول؛ على أن يتم تعيين مولانا هارون والياً على غرب كردفان. وهذا يستلزم قراراً رئاسيا سريعاً بعودة ولاية غرب كردفان.

تخيلوا كيف سيكون السيناريو (المشهد السياسي). قبل أن أشرح السيناريو أشير إلى نقطة جانبية لكن التأمُّل فيها مهم وهي: إذا فاز الحلو فليس هناك مشكلة لأن أحمد هارون هو عضو في الحزب الحاكم وبالتالي سوف تجد له الحكومة موقعاً آخراً. أما إذا فاز مولانا أحمد م هارون فأين سيذهب الحلو؟ هل سيذهب للجنوب الذي أصبح دولة أخرى؟ أم لبقايا الحركة الشعبية في النيل الأزرق؟

السيناريو الذي يعزز – أو يشرح – اقتراحي يقوم على عدة نقاط منها، مثلاً:

سوف تضرب الحكومة عدة عصافير بحجر واحد بمثل هذا التصرف. منها مثلاً أن خسارة الحلو ربما تعني عدم تمثيل إثنية (جماعة عرقية) معينة في مركز سياسي/تنفيذي مهم له دلالته ورمزيته لهذه الجهة – وهي قبائل النوبة. لأن فشل الحلو أو عدم حصوله على هذا الموقع ربما تنظر إليه تلك المجموعات القبلية بأنه استضعاف لوجودها على الساحة السياسية وأن صوتها سوف يخبو وربما ترتفع نغمة (التهميش) في المنطقة.

نعم، لهارون شعبيته وأثبت نجاحه في منصبه في فترة وجيزة وله رؤية لتقديم الكثير إذا ما حصل على تفويض بالانتخابات. لكن المكسب سوف يكون أكبر إذا تنازل هارون للحلو. وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية من السيناريو وهي عودة ولاية غرب كردفان. وبعيداً عن الترتيبات القانونية اللازمة يهمنا البعد السياسي في الأمر.

إن إذابة ولاية غرب كردفان في ولاية جنوب كردفان بسبب اتفاقية نيفاشا أثار غضب قبائل البقارة (خاصة المسيرية). وقد ربط البعض بين هذا الإجراء والقسمة الضيزى لهم في النفط وعدم استيعاب أبنائهم في شركات التنقيب والانتاج. فكان الحديث عن التهميش وتظاهر شباب الفولة احتجاجا على ذلك الظلم، والتحق بعضهم بالحركة الشعبية وذهب البعض الآخر لبعض حركات دارفور المتمردة وظهرت حركات احتجاجية في كردفان مثل تحالف كردفان للتنمية (كاد KAD) وشمم وشهامة.

عودة الولاية سوف يمتص غضب أبناء المنطقة الذين يشعرون بأنهم قد ضحوا كثيرا في المعارك ضد حركة التمرد الجنوبية (قبل السلام) ولم يجدوا تقديرا أو تعويضاً لتضحياتهم، وحتى أبيي أصبحت موضع نزاع ومازال الكثير منهم يموت بسبب الصراع حول أبيي.

تخيلوا لو أصبح الحلو حاكما على ولاية جنوب كردفان وهارون على ولاية غرب كردفان، أقترح (أو أتوقع) السيناريو التالي:

بدأ هارون مشاريع بنية تحتية في ولاية جنوب كردفان يمكن للحلو أن يستفيد منها وينطلق منها لتنمية الولاية التي عانت الكثير من الإهمال والتخلف والنزاعات والحروب. وبالمقابل تحتاج ولاية غرب كردفان لشخص مثل هارون ليبدأ بها من الصفر. فهذه الولاية (أو المنطقة) هي ولاية التناقضات فهي الأغنى من حيث الموارد (حيوانية ونفطية) والأشد فقراً في الواقع! ولم تستفد المنطقة من الفترة التي كانت فيها ولاية. وتكفي الإشارة إلى أن عاصمتها مدينة (الفولة) ليس فيها متر واحداً من الأسفلت ناهيكم عن مشكلات في مياه الشرب والتعليم والصحة. فهي تحتاج إلى أن تعود ولاية يقودها الشاب الطموح هارون.

جانب آخر من هذا السيناريو الثاني هو أني أتوقع (أو أقترح) أن تنشأ بين الولايتين توأمة وشراكة ومشاريع مشتركة. وأن يشارك والي كل ولاية (و حكومته) في اجتماع حكومة الولاية الأخرى ولو مرة في الشهر للتنسيق وتبادل الآراء ومتابعة تنفيذ الشراكة. كما أن هذا التنسيق مهم جدا للتداخل القبلي بين الولايتين ولتعزيز التعايش السلمي. كما يمكن أن يكون لذلك أثر إيجابي على مشكلة أبيي من خلال علاقة الحلو بالحركة الشعبية (حكومة الجنوب).

كذلك عندما يضمن النوبة أن رئاسة الولاية قد دانت لأحد أبنائها فإن ذلك قد يضع مسألة المشورة الشعبية في مسار إيجابي (ابداء الرأي الشعبي حول إدارة الولاية ومستوى التنمية والخدمات فيها) بدلاً من الانحراف بها نحو مزالق الحكم الذاتي أو ربما أبعد من ذلك. كما يمكن الاستفادة من هذه التجربة في التعامل مع ولاية النيل الأزرق.

ولاية غرب كردفان – إذا عادت – سوف تأخذ من ولاية شمال كردفان منطقتي النهود وغبيش فتقلل الضغط على حكومة ولاية شمال كردفان ويتنفس واليها الصعداء.

الصفحات