أنت هنا

قراءة كتاب تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية)

كتاب " تأملات في السياسة والمجتمع السوداني - (مقالات في الأزمات السياسيـة والقضايا الاجتماعية) " ، تأليف عبده مختار ، والذي صدر عن دار الجنان للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

(3) وصف الكتاب الأسود بالفتنة

والعنصرية يزيد المشكلة تعقيداً

نخبة الغرب مسؤولة عن بعض تخلف مناطقها

تم نشر هذا المقال في صحيفة الرأي العام بتاريخ 21/5/2000 وذلك عقب انتشار "الكتاب الأسود" في نهاية التسعينات من القرن العشرين. دعا المقال إلى الاهتمام بما جاء في الكتاب الأسود وليس الاكتفاء بإدانة من كتبوه (ليس به اسماء مؤلفين)، أو وصفه بالعنصرية. رأى هذا المقال أن بالكتاب الأسود حقائق مسنودة بالأرقام تؤكد التهميش والتظلم يجب أن التعامل معه بموضوعية. وهدف المقال من ذلك إلى تجنب تفاقم الأزمات وبالفعل تصاعدت التظلمات إلى أن وصلت إلى مستوى الأزمة والحرب – كما هو الحال في دارفور. وفي ما يلي اقتباس لأجزاء من ذلك المقال:

إذا كان لرجل عشر قطع من الحلوى، ولديه خمسة أطفال، فأعطى واحداً منهم ست قطع، وأعطى بقية أبنائه الأربعة قطعة واحدة لكل واحد منهم؛ فإذا احتج الأبناء الأربعة على هذه القسمة غير العادلة هل يحق للأب أن يصف الأبناء المحتجين بالعقوق والعصيان (أو العنصرية)؟!

في الأيام القليلة الماضية تفجرت بعض الصحف بهجوم شديد على الكتاب الأسود. ولفت نظري أن معظم الذين كتبوا عنه جاءت كتاباتهم انطباعية وانفعالية وغير موضوعي. بل على الأرجح أن بعضهم لم يقرأ الكتاب وانما حكم عليه من عنوانه أو غلافه أو سمع عن موضوعه فقط!

والأسئلة التي ينبغي طرحها هنا: لماذا جاء هذا الكتاب الأسود؟ وما هي الظروف والدوافع التي حركته؟ وهل يمكن القول بأنه رد فعل للشعور بالظلم وأنه جاء تعبيراً عن قمة الوعي بالظلم؟ وهل يحق وصف هذا التظلم بأنه عمل عنصري؟

أغلب الظن أن من كتبوا هذا الكتاب هم من أبناء دارفور وأنهم جمعوا كردفان معهم لتكبير (كوم الظلم).. وبهذا لا أعني أن كردفان التي أنتمي إليها هي غير مظلومة بل الاختلاف هو في المقدار فقط خاصة وأن أبناء شمال كردفان هم الأعلى صوتاً. وكان من أميز المشروعات التي حصلوا عليها هي طريق كوستي-الأبيض وقد خدمتهم الظروف السياسية في ذلك حيث كان وزير المالية في عهد الحزبية الثالثة هو الدكتور بشير عمر (حزب أمة) وهو من أبناء الأبيض.

غير أني أختلف مع الدكتور الفاتح النور (مؤسس صحيفة كردفان) في بعض ما ذهب إليه في مقاله عن الكتاب الأسود (الصحافي الدولي: 9/5/2000) حيث قال أن مدينة الأبيض هي أجمل من كل مدن الشمال. فالأبيض في تقديري خدمتها ظروف تاريخية. فقد كانت هي مدينة كبيرة وعريقة وعاصمة منذ أكثر من خمسمائة سنة عندما كانت عاصمة دولة المسبعات. كما أن كردفان والغرب عامة لا نقيس أوضاعه بالأبيض وبارا ونيالا وإنما بأغلبية المدن والريف وحال الشعب هناك وحظه من التنمية والخدمات. .....

ولكني أتفق مع الفاتح النور بأن أبناء الغرب قد أسهموا في تخلف أقاليمهم. هذا القول صحيح لأننا نلاحظ أن أبناء الشمالية مرتبطون بأرضهم وأهلهم سواء هاجروا لخارج السودان أو اتتشروا في أمصار السودان. كما أنهم بنوا نسيجا محكما من العلاقات عززوها بالتزاوج والمصاهرة خاصة على مستوى دوائر السلطة والثروة والقرار ويخدمون بعضهم بعضا. أما عيب أبناء الغرب – على الرغم من كفاءتهم كأفراد – فإنهم لا يخدمون بعضهم ويديرون ظهورهم لمناطقهم ولا يملكون المبادرة في اقتراح مشروعات لولاياتهم وأنهم أسهموا – كما قال الفاتح النور – في ظلم الغرب "بصمتهم وسكوتهم" لكن هذا القول الأخير مردود لأن أبناء الغرب عندما تحدثوا الآن عن الظلم نعتهم ابناء الشمال بالعنصرية!!

لقد كان لحكومة الإنقاذ فرصة في أن تبدأ كسب ثقة أهل الغرب من بوابة طريق الانقاذ الغربي لكنها أعطت الطريق لغير ابناء الغرب وحدث ما حدث (وحرمنا القضاء من الحديث عن ما حدث).

أعلم أن الحكام في الخرطوم يتضايقون من الكتاب الأسود ومن الكتابة عنه، لكني أربأ بحكومة تحكم باسم الإسلام أن تتضايق من سماع صوت المظلومين. ومن العدل أن يتسع صدرها للكتاب الأسـود فهو لا يخلو من حقائق.

حكومة الانقاذ هي نسبيا الأكثر انفتاحاً على تمثيل القبائل في الحكومة حيث أن الإنقاذ مُثِّلت فيها 40 قبيلة مقابل 39 للحزبية الثالثة و 34 قبيلة في مايو. لكن داخل هذا التنوع القبلي يطمح الناس للعدالة. فينبغي ألا تغضب الحكومة عندما يقول ابناء الغرب إن اقليما واحدا ً صغيراً في سكانه يُمثَّل بأكثر من ثلث الحكومة المركزية بينما مجموعة ولايات يشكل سكانها أكثر من ثلث السودان تُمثَّل بأقل من 10%. كما أن الملاحظ أنه منذ استقلال السودان توالت على التكوينات الوزارية للحكومة المركزية 74 قبيلة لكن منها ثلاث قبائل فقط تمثلت في كل الحقب وهي (الدناقلة والجعليين والشوايقة) وكلها في الإقليم الشمالي! في حكومة الانقاذ الحالية كان نصيب كردفان 12% مقابل 6% لدارفور بينما بلغ تمثيل الشمالي 35%!!

إذن على الذين يهاجمون الكتاب الأسود أن يتذكروا هذه الحقائق وأن يدعموا مقالهم بالأرقام الصحيحة بدلاً عن التناول السطحي والحديث الانفعالي الذي لا يزيد القلوب إلا غلاً.

إن النهج الصحيح الذي ينبغي على الحكومة اتباعه هو أن تتيح لابناء الغرب الحديث بصوت عال عن مظالمهم ففي ذلك خطوة أولى نحو العدل وفي ذلك بداية لعلاج مع علق بالنفوس..

( ليت الحكومة كانت تقرأ )!!

الصفحات