أنت هنا

قراءة كتاب الانتخابات ضمانات حريتها ونزاهتها

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الانتخابات ضمانات حريتها ونزاهتها

الانتخابات ضمانات حريتها ونزاهتها

كتاب " الانتخابات ضمانات حريتها ونزاهتها " ، تاليف سعد مظلوم العبدلي ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

المطلب الثاني: العلاقة بين الشرعية والانتخاب

لم تظهر الأفكار الديمقراطية بصورة فجائية، وإنما كانت وليدة تجربة إنسانية عميقة قديمة قدم المجتمع البشري ذاته ، فقد ظهر مصطلح الديمقراطية ليعكس رغبة الشعوب في إيجاد آلية تتيح لأفرادها المشاركة الفعالة في إدارة شؤون المجتمع والدولة، فابتدأت بالديمقراطية المباشرة وانتهت أخيرا إلى الديمقراطية النيابية التي أيقنت من خلالها ان أفضل الطرق لاختيار الحكام إنما تتمثل في الانتخاب باعتباره الوسيلة الطبيعية والمشروعة لإسناد السلطة في الأنظمة الديمقراطية ، وفي ذلك تقول المحكمة الدستورية العليا المصرية " أن النظام الديمقراطي السليم يقوم في جوهره على مبدأ أن السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات... ذلك أن مبدأ السيادة الشعبية يقتضي أن يكون للشعب ـ ممثلا في نوابه أعضاء السلطة الشعبية ـ الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شؤون عامة... "([17]).

وبعبارة أخرى فان الانتخاب أصبح التنظيم القانوني لمبدأ مشروعية ممارسة السلطة باسم الشعب ، حيث يُسمح للناخب بان يؤيد أو يرفض سياسة ما، في الوقت نفسه الذي يتمخض عنه اختيار فريق من النواب مكلف بتطبيق سياسة معلومة تنبئ عنها برامج المرشحين ، وبذا فانه يمثل جوهر الديمقراطية، فعن طريق صناديق الانتخاب وعبر أصوات هيئة الناخبين ، تتحقق فكرة تداول السلطة([18])، وهذا ما دعا المفكر الفرنسي ( جان جاك روسو ) إلى وصف الحق في التصويت المعترف به لعضو هيئة الناخبين بأنه " الحق الذي لا يستطيع أي شيء أن ينتزعه من بين أيدي المواطنين "([19]).

وأصبح من المسلم به ان وجود انتخابات تنافسية منتظمة وحرة للفوز بالمناصب العامة هي أكثر الفوارق أهمية بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية([20]) ، والى ذلك يذهب المجلس الدستوري اللبناني في قراره رقم (1) لسنة 1997 بالقول " وبما أن قوام الديمقراطية يكون في مشاركة الشعب في الحياة العامة وفي إدارة الشؤون العامة وأيضاً في احترام الحقوق والحريات العامة وينسحب ذلك على المستوى المحلي كما هو على المستوى الوطني، وبما أن مبدأ الانتخاب هو التعبير الأمثل عن الديمقراطية وبه تتحقق ممارسة الشعب لسيادته من خلال ممثليه ، باعتباره مصدر السلطات جميعاً، ومنه تستمد مؤسسات الدولة شرعيتها الدستورية... "([21]).

لا بل ان بعض الكتاب ذهب إلى وجوب اعتبار سلطة الاقتراع سلطة رابعة إضافة إلى السلطات الثلاث التقليدية ، فذهب العميد (موريس هوريو)، إلى ان الجسم الانتخابي يجب ان يعتبر سلطة ثالثة (سلطة الاقتراع pouvair de suffrage ) إلى جانب السلطتين الأخريين ، (السلطة التنفيذية)، والسلطة التداولية أي ( البرلمان )([22]).

وبالرغم من كل ما سبق ذكره فان ذلك لا يعني أن البشرية قد نجحت في تطبيق مبدأ الانتخاب على نحو مثالي منذ أول وهلة ، بل ان ذلك تطلب مرور فترة ليست قصيرة من الزمان إلى أن أصبح اليوم لا يوجد أي مجتمع أياً كانت إيديولوجيته ينكر على أفراده الحق في إدارة شؤونه العامة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة، فقد كان تقرير مبدأ الاقتراع العام هدفاً ديمقراطياً عزيزاً تسابقت معظم دول العالم إلى الأخذ به وتطبيقه من أجل إشراك أكبر عدد من المواطنين في عملية إسناد السلطة ، خصوصا خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إذ أخذت به فرنسا عام 1848 ، وألمانيا عام 187، وأسبانيا عام 1890 ، وهولندا عام 1896، والنمسا عام 1907 ، وإيطاليا عام 1918، ويرجع الأخذ بالاقتراع العام في مصر إلى قانون الانتخاب الصادر في أول مايو عام 1883([23]).

أما العراق فقد شهد أول انتخابات في ظل قانون انتخاب المبعوثان العثماني سنة 1908 ، ثم توالت التشريعات الانتخابية المختلفة([24]).

وبالرغم من هذا التطور التاريخي لأهمية الانتخابات، وبالرغم من انه أصبح من المسلم به أنها هي الوسيلة الأساسية في إسناد وتداول السلطة في الأنظمة الديمقراطية ، إلا ان الأمر الذي يوازي إجراء الانتخابات في أهميته، هو نزاهة وصحة هذه الانتخابات لان سلامة إجراءات الانتخابات ، وحريتها، وصدق نتيجتها ، ليست هي أحد أركان الديمقراطية أو شروطها، بل هي أركان الديمقراطية أو تكاد ، فلأن الانتخابات هي السبيل الوحيد لإشراك الشعب في إدارة شئون بلده، وفي صياغة قوانينه ، ورقابة حكومته، لهذا وجب التأكيد على ضرورة نزاهتها([25]).

وإذا كانت الديمقراطية التعددية قد أصبحت منهج العصر في التنظيم السياسي في معظم دول العالم ، فإنها تشكل بالنسبة للعالم الثالث عموماً ولوطننا العربي خصوصاً قضية مصيرية تطرح نفسها بصورة ملحة، " فقد جاء حين من الدهر كانت بعض الشعوب تجد نفسها مُجبرة على الاختيار بين الخبز والحرية أو بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية ، وكثيراً ما برزت تجربة الحزب الواحد أو الزعيم الواحد على أنها من اجل الخير والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وفي حالة الوطن العربي أُضيفت مبررات أخرى مثل إنجاز الوحدة العربية وتحرير فلسطين ، ولكن اتضح بعد فترة اختبار طويلة امتدت لمدة عقود ان هذه مقايضات وهمية أو مغلوطة "([26]).

أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد تباينت آراؤهم في هذا المجال تباينا كبيرا([27])، فمنهم من ذهب إلى رفض الانتخاب بل إلى رفض الديمقراطية أصلا ـ والتي يعتبر الانتخاب وسيلة تحقيقها ـ ، واعتبارها ـ أي الديموقراطية ـ كفراً وشركاً وإجراماً، وذلك بالقول "... فالذي نعتقده وندين للهِ به أن الانتخابات طاغوتية ، وأن الديموقراطية نظام كفري، وأن الذين وافقوا على الدخول في الانتخابات خالفوا رسول الله (ص) في قضية مواجهة الأعداء في كل وقت وحين، سواء علموا ذلك، أو ظنوا أنهم يحسنون صنعاً "([28]) ، فيما ذهب العلامة (النائيني) ـ بمناسبة أول انتخابات برلمانية للدولة العراقية ـ، إلى القول " نعم حكمنا بحرمة الانتخاب وحرمة الدخول فيه على كافة الأمة العراقية ، ومن دخل فيه أو ساعد في هذا الأمر أو ساعد عليه أدنى مساعدة فقد حاد الله ورسوله والأئمة الطاهرين "([29]).

بينما ذهب بعض الكتاب ان الأمر مختلف فيه ففي حين يرى البعض أن المشاركة في الانتخابات تحت مظلة التعددية السياسية وفي ظل النظم الديمقراطية تعتبر مصلحة شرعية ووسيلة معتبرة، ذهب البعض الآخر إلى أنها مصلحة ملغاة غير معتبرة كونها غير راجحة التحقيق وأن المفاسد التي تترتب على ذلك أعظم بكثير من المصالح المرجوة([30]).

بينما يذهب عدد من الفقهاء إلى ان أنسب الوسائل حاليا لاختيار أهل الشورى هو الانتخاب ، أما طريقته ونظمه وضوابطه فهي مسائل تفصيلية تترك لظروف كل دولة وكل شعب من الشعوب الإسلامية، بالقول ان حق المشاركة في الحياة السياسية للدولة الإسلامية يجد أساسه في أحد المبادئ الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي وهو مبدأ الشورى ، إستنادا إلى قوله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ( وأمرهم شورى بينهم )([31])، وقوله تعالى (وشاورهم في الأمر ) ([32]) ، وقوله سبحانه وتعالى ( ليستخلفنهم في الأرض) ([33])، حيث يتضح من كون الضمير بصيغة الجمع أن الاستخلاف لجميع القوم وليس لإفراد منهم ، وهذا يدل على أن الحكومة الإسلامية لا بد أن تسير بمشورة الجميع وأنها ليست حكومة فرد أو أسرة أو طبقة، ولكنها حكومة الأمة بأسرها وأنها تتكون بمشورة ومشاركة الأفراد جميعاً([34]).

وقد أقر بقبول الشورى للانتخاب كوسيلة لاختيار أهلها كثير من العلماء المحدثين ، فالإمام (أبو علي المودودي ) يقول "... فيجوز أن نستخدم اليوم على حسب أحوالنا وحاجاتنا كل طريق مباح يمكن به تبيّن من يحوز ثقة جمهور الأمة، ولا شك ان طرق الانتخاب في هذا الزمان هي أيضاً من الطرق المباحة التي يجوز استخدامها ، بشرط أن لا يُستعمل فيها ما يُستعمل من الحيل والوسائل المرذولة... "، وإلى ذلك يضيف الإمام ( حسن البنا ) بقوله "... ولقد رتب النظام النيابي الحديث طريق الوصول إلى أهل الحل والعقد بما وضع الفقهاء الدستوريون في نظم الانتخاب وطرائقه المختلفة ، والإسلام لا يأبى هذا التنظيم مادام يؤدي إلى اختيار أهل الحل والعقد... "([35]).

لا بل ان بعض الكتاب ذهب إلى ان إشاعة العلم بفقه الانتخاب يعتبر " من اوجب الواجبات التي يتعين الاعتناء بها في هذا المعترك , وان تدريس هذا الفقه اليوم من ضرورات العصر، حتى نتمكن من ان نستجيش مذخور الإيمان في أعماق الأمة , ونوظفه في نصرة الحق والتمكين لشريعة الله في هذه المواقع , فمتى يدرك الناس ان ذهابهم إلى أماكن التصويت من جنس ذهابهم إلى أماكن العبادة , وان ترجيحهم لمرشح على آخر عملية شرعية تتعلق بثلاثة أبواب في الفقه الإسلامي وهي الأمانة والشهادة والولاء والبراء , وإنها ان لم تتم على الوجه الذي يرضي الله كانت مدعاة لسخطه"([36]).

ورغم كل ذلك فان الانتخابات ما تزال ـ وحتى في وقتنا الحاضر ـ محط اختلاف في الرأي والاجتهاد بين الفقهاء والعلماء ـ وحتى بين أصحاب المذهب الواحد ـ ، ولنا ان نأخذ الانتخابات العراقية التي جرت عام 2005 مثالا على ذلك، ففي حين ذهب بعض الفقهاء إلى وجوب المشاركة في الانتخابات([37])، لا بل حتى أنهم أفتوا بوجوب إدراج المواطنين لأسمائهم في السجلات الانتخابية([38])، ذهب البعض الآخر منهم إلى رأي مخالف مفاده عدم وجود أي دليل على وجوب المشاركة، ومن ثم الدعوة إلى عدم المشاركة إذا ما جرت في ظل ظروف معينة([39]).

ومن كل ما تقدم يتبين لنا انه قد أصبح من المسلم به ان الانتخابات يُنظر لها باعتبارها الوسيلة الأساسية لتداول السلطة وتحقيق تجسيد حقيقي لإرادة الناخبين في اختيار من يمثلهم في البرلمان ومؤسسات الدولة الحاكمة الأخرى، وان العلاقة بين الشرعية والديمقراطية والانتخاب أصبحت علاقة لا يستطيع أي نظام حكم نكرانها سواء آمن بصدق بالعملية الانتخابية أم كان ذلك مجرد واجهة يستطيع من خلالها إضفاء نوع من الشرعية على نظام حكمه، ان هذه المكانة التي يحتلها الانتخاب اليوم في الفكر والتطبيق الديمقراطي لم تكن بالأمر السهل والهين بل جاءت عبر تطور تاريخي للمفهوم الديمقراطي وعبر البحث في الوقت نفسه عن أفضل السبل لتجسيد هذا المفهوم عبر آليات واضحة وممكنة التطبيق يمكن اتخاذها كمعيار لتجسيد إرادة الشعوب.

الصفحات