كتاب " توماس هوبز ومذهبه في الأخلاق والسياسة " ، تأليف نبيل عبد الحميد عبد الجبار ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب توماس هوبز ومذهبه في الأخلاق والسياسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

توماس هوبز ومذهبه في الأخلاق والسياسة
حياة هوبز وتطوره الفكري
الفيلسوف ــ كغيره من رجال الفكر ــ نسيج وحده، كيانه يعتمد على طريقته الخاصة للتجاوب مع ظروف بيئته الاجتماعية والطبيعية. وإذا صدق هذا على رجال الفكر بعامة، فإنه من باب أولى أن يصدق على الفلاسفة ومن بينهم هوبز ولا سيما تلك التي انعكست على آرائه الأخلاقية بشكل من الأشكال.
ولد توماس هوبز في الخامس من نيسان عام 1588، في قرية ويست بورت ــ West Port) المجاورة لـ (مالميسبوري ــ Malmesbury) في مقاطة (ولتشاير ــ Wiltshire) ([15]). ولقد صادف قبيل ولادته أن كانت الإشاعات تملأ انكلترة منبئة بمقدم سفن الأسطول الاسباني Spanish Arnada وانتهاكها حرمة السواحل البريطانية بقصد احتلالها، الأمر الذي أصاب أمه بالذعر والهلع فولدت طفلها الثاني توماس) قبل الموعد الطبيعي لولادته([16]).
وكان والده قسيساً لـ (ويست بورت) و (تشارلتون Charlton) ([17]) ومع ذلك فانه كان ذا طبع وسلوك سيئين, وتكاد المصادر تجمع على قرن اسمه بخصال ذميمة ,ابرزها الجهل والفظاظة([18]) والطيش([19]) وسرعة الغضب([20]).وقد بلغ به الطيش والتهور حدا أنه تشاجر في أحد الأيام وأمام باب الكنيسة مع كاهن من قرية مجاورة([21]) , واعتدى عليه بالضرب ,فاضطر الى ترك (مالميسبورى) والهرب الى لندن حيث مات في ظروف غامضة([22]), تاركا أبناءه الثلاثة في رعاية شقيقه فرانسس هوبز Francis Hobbes([23]).
وقد كان من حسن حظ توماس هوبز أن اوكلت الظروف أمر رعايته وتنشئته الى رجل مثل عمه , لأنه على عكس والده غنيا, لا أولاد له, طيب السمعة([24]), راجح العقل, وعضوا في المجلس التشريعي لمدينة مالميسبورى (alder man of Malmesburg[25]).
أما والدته فلا نعرف عنها شيئا سوى كونها منحدرة من عائلة تشتغل بالزراعة([26]).
عاش هوبز طفولة هادئة في ملاميسبورى , وعندما بلغ الرابعة من عمره التحق بمدرسة كنيسة ويست بورت([27]), وبدأ في عامه السادس يتلقى دروسا في اللاتينية والإغريقية([28]), والتحق بعد ذلك بعام أو عامين بمدرسة خاصة صغيرة, كان يديرها رجل يوناني يدعى (روبرت لاتيمير) Robert Latimer([29]),تسنى فيها لهوبز أن يحظى بمعرفة وافية بالكلاسيكيات([30]) , وأن يطلع على أولى الروافد الفكرية لثقافتة. وقد أبدى هوبز تفوقا ملحوظا([31]), فأعاره أستاذه قدراً كبيراً من الاهتمام والرعاية، فترسخت في ذهنه دعائم اللغتين اللاتينية والاغريقية([32])، بحيث تمكن وهو في الرابعة عشرة من عمره من ترجمة مسرحية (ميديا ــ Medea) لـ (يوريبيدس ــ Euripides) إلى الشعر (العمبقي Imbics) اللاتيني([33]).
وفي عام 1603([34]) أرسله عمه إلى مودلن هول بجامعة اكسفورد (Magdalen Hall, Oxford) لاتمام دراسته، فمكث فيها خمسة أعوام([35])، وتجتاحها اتجاهات ونزعات متضاربة، فمن ناحية كانت التقاليد البيوريتانية، المتزمتة ضاربة بجذورها في الجامعة، ومن ناحية أخرى كان السكر والعربدة والقمار وغيرها منتشراً فيها إلى حد كبير.
أما من حيث المستوى الدراسي والعلمي فقد كان الفكر الأرسطي مهيمناً على الجامعة، وكان أغلب أساتذتها ذوي نزعة ارسطية([36])، ووصلت مستويات الدراسة فيها إلى أقصى درجات التدهور والانحطاط([37]).