كتاب " سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ايران 1941-1947 " ، تأليف د. عبد المجيد عبد الحميد علي العاني ، والذي صدر عن دار دجلة ناشرون وموزعون ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ايران 1941-1947
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ايران 1941-1947
وفضلاً عن ذلك شهدت مرحلة ما بعد الحربين تجاوب الحكومة الأمريكية مع التوجهات الإيرانية لمجيء مستشارين أمريكان للعمل في إيران بدلاً من الخبراء البريطانيين الذين انسحبوا من البلاد بعد فشل اتفاقية عام 1919 البريطانية – الإيرانية .([40]) فقد وافقت حكومة الولايات المتحدة على طلب إيران في الحصول على مستشار مالي يتولى إدارة مالية الدولة ، واختارت للقيام بهذه المهمة الدكتور آرثر سي. ميلسبو Dr. A.C. Millspaugh على راس بعثة اقتصادية استمرت خمس سنوات من 1922 إلى 1927 .([41])
أدت هذه البعثة دورها في توسيع العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الأمريكي والإيراني يمكن تلمسه من خلال وصول الولايات المتحدة إلى المرتبة السادسة في حجم الواردات ، والمرتبة الخامسة في حجم الصادرات بالنسبة إلى تسلسل الدول المصدرة والمستوردة من إيران خلال سنة 1927-1928، بعد أن كانت لا تشغل خلال 1913-1914 سوى المرتبة الثالثة عشرة بالنسبة إلى الواردات ، والسادسة بالنسبة إلى الصادرات .([42])
وانعكس هذا التطور على العلاقات الدبلوماسية والثقافية والاقتصادية بين البلدين ، ففي 14 مارس 1928 وقع الطرفان الأمريكي والإيراني على اتفاقية جديدة مؤقتة لتنظيم العلاقات التجارية بينهما بعد أربعة أيام فقط من تاريخ إلغاء الاتفاقية الأولى لعام 1856 إثر صدور قرار إلغاء الامتيازات الأجنبية في إيران .([43]) كما تم السماح للبعثات التبشيرية الأمريكية بممارسة نشاطها التربوي وأعمالها الخيرية بحرية تامة ، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع القوانين والأنظمة العامة في البلاد .([44]) ، بعد أن كانت وزارة المعارف الإيرانية قد أصدرت في العاشر من مارس 1927 أنظمة جديدة ألزمت بموجبها المبشرين الأمريكان بالعمل وفق أهداف الوزارة .([45]) وكذلك جاء نتيجة لذلك استخدام المستر وليم بولاند الأمريكي ومعه عشرة مساعدين حينما قررت الحكومة الإيرانية إنشاء خط للسكك الحديد يربط بحر قزوين بالخليج العربي ، وعهدت إليه بدائرة استحدثتها لهذا الغرض سميت بدائرة السكك الحديد .([46])
تعرضت هذه العلاقة المتطورة نسبياً إلى البرود في ثلاثينات هذا القرن ، وكان من أسباب ذلك تزايد النفوذ الألماني في إيران ، بسبب تطور العلاقات الألمانية – الإيرانية خلال هذه المرحلة التي شهدت وصول الحزب النازي إلى السلطة في ألمانيا عام 1933 الذي كان يتطلع أن تؤدي بلاده دوراً اكبر من السابق في الشرق الأوسط عامة ، وفي إيران خاصة ، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي . وقد وجد مثل هذا التوجه ترحيباً من لدن رضا شاه الذي أفصح عن إعجابه الشخصي بألمانيا وبنظامها العسكري وبشخص رئيسها الجديد هتلر مع تطلعه إلى أن تضطلع ألمانيا ، في ظل نظامها الجديد المعادي لكل من الاتحاد السوفيتي وبريطانيا صاحبتي النفوذ الأكبر في إيران ، بدور القوة الموازنة " القوة الثالثة " بدلاً من الولايات المتحدة التي فشلت بالقيام بمثل هذا الدور كما كانت تريده إيران .([47])
وكانت ألمانيا قد تمكنت ، بعد سنوات قلائل من انتهاء الحرب العالمية الأولى من استعادة مكانتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية في إيران . وازداد تنامي هذه المكانة خلال حكم رضا شاه بشكل ملموس، ولا سيما في المجال الاقتصادي، حيث تعدت الحكومة الألمانية لإيران بان تضع تحت تصرفها خبراتها المالية والاقتصادية، وعلى اثر ذلك وصل الخبير المالي الألماني الدكتور ليندنبلات عام 1927 ليخلف الدكتور آرثر ميلسبو، كما وصل أيضاً للدكتور بوتسكي الخبير الاقتصادي الألماني لدراسة الأوضاع المالية في إيران. ثم جاءت الاتفاقية التجارية لعام 1929 بين الطرفين الألماني والإيراني لتعطي مزيداً من التطور لعلاقات بين البلدين مرحلة جديدة من التطور، ولا سيما في المجال التجاري([48]). ويمكن تلمس ذلك من خلال وصول ألمانيا إلى المرتبة الثانية في قائمة تجارة إيران الخارجية خلال 1936- 1937 . ([49])
وكذلك يمكن أن يعزى برود العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية آنذاك إلى قيام الحكومة الإيرانية باتخاذ سلسلة من الإجراءات وضعت في النهاية حداً لنشاط البعثات التبشيرية الأمريكية في إيران .([50]) ، وصلت في آب 1939 إلى حد إغلاق المدارس الأجنبية في البلاد كافة ، ومن ضمنها مدارس هذه البعثات ، ووضعت تحت سيطرة الحكومة .([51]) مما كان له آثاره السيئة لدى الولايات المتحدة ، وأسهمت، على نحو أو آخر، في زيادة فتور العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، مما كان له دوره في تضخيم بعض الأحداث اليسيرة على النحو الذي لا يتناسب مع ما نتج عنه في زيادة توتر العلاقات . ومن ابرز الأمثلة على ذلك قيام الشرطة المحلية في ولاية ماري لاند (Mary Land) الأمريكية في 27 تشرين الثاني 1935 بتوقيف وزير إيران المفوض لدى واشنطن "جعفر جلال" لمخالفته قانون المرور بسبب السرعة مما أثار احتجاج الحكومة الإيرانية التي عدت ذلك أمراً يتنافى مع تقاليد الحصانة الدبلوماسية وخرقا لها .([52])
ثم أضافت الصحافة الأمريكية سبباً آخر في مضاعفة تأزم العلاقات هذا من خلال ما كانت تنشره من مقالات تتعرض فيها بالنقد لشخصية رضا شاه نفسه .([53]) وقد أثارت هذه المقالات احتجاج الحكومة الإيرانية الشديد ، بل إنها كادت تؤدي إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، إذ عمدت الحكومة الإيرانية ، تعبيراً عن الأثر السيئ الذي تركته مثل هذه المقالات ، إلى سحب ممثليها الدبلوماسيين من واشنطن .([54]) وظلت هذه العلاقة على حالها من التوتر حتى عام 1938 حينما وصل والاس موري (Wallace Murray) ، رئيس قسم شؤون الشرق الأدنى ، في وزارة الخارجية الأمريكية إلى طهران في مهمة خاصة في تشرين الأول 1938 ، ممثلاً لجزء من الجهود التي كانت تبذلها الحكومة الأمريكية لتحسين علاقاتها مع الحكومة الإيرانية مدفوعة بأمل توفير الفرص أمام شركاتها النفطية للتوجه في الحصول على بعض الامتيازات النفطية في شمال إيران . وأعقب ذلك تعيين كل من علي دفتري وزيراً مفوضاً لإيران لدى واشنطن في 28 كانون الأول من العام نفسه ، ولويس درايفوس Louies G.Dryfus وزيراً مفوضاً للولايات المتحدة في طهران في 23 حزيران 1939. ([55])
ويبدو أن الحكومة الإيرانية وعلى الرغم من الفتور الذي شهدته علاقاتها مع الولايات المتحدة ، لم تمتنع عن منح شركات النفط الأمريكية لامتيازات نفطية في أراضيها ، ومما يفسر ذلك حصول شركة اميرينيان الأمريكية Amiranian Oil Company في 9 آذار 1937 على الامتياز الذي حصلت عليه الشركات الأمريكية التي سبقتها للتنقيب عن النفط في المقاطعات الشمالية من البلاد . إلا أنها سرعان ما فشلت أيضاً ، وتركت المشروع في العام التالي 1938.([56]) للأسباب نفسها المشار إليها سابقاً.([57]) وحصول شركة أمريكية أخرى ، متصلة بشركة اميرينيان ، وهي شركة الأنابيب الإيرانيةIranian Pipe – Line Company على امتياز إنشاء الأنابيب في إيران أملاً في معالجة مشكلة نقل النفط الذي تعترض المشروع ، لكن الشركة سرعان ما تنازلت هي أيضاً عن الامتياز ، مما حدا بالشركات الأمريكية إزاء هذا الفشل المتكرر إلى التخلي عن سعيها في الحصول على امتياز البحث في مناطق إيران الشمالية وتركيز توجهها نحو العربية السعودية .([58])
وحينما نشبت الحرب العالمية الثانية أعلنت الحكومة الإيرانية حيادها في 4 أيلول 1939.([59]) وحرصت على تطوير علاقاتها مع الدول كافة ، ولاسيما الولايات المتحدة ، مدفوعة بأمل الحصول على الدعم الأمريكي في معالجة الوضع الحرج الذي خلفته ظروف الحرب تعلى اقتصادها.([60]) إذ أدى اندلاع الحرب إلى تزايد مشاكل نقل البضائع الألمانية إلى إيران في الطريق البري التقليدي عبر الأراضي السوفيتية . مما سبب في ارتفاع أجور النقل البحري على نحو حال دون نقل مثل هذه البضائع .([61]) ودفع ذلك الحكومة الإيرانية إلى محاولة الحصول على قرض أمريكي بقيمة خمسة عشر مليون دولار . لكن الولايات المتحدة لم تستجب لهذا الطلب ، كما فشلت محاولة أخرى مماثلة في كانون الأول 1939 للحصول على قرض بقيمة 40 ـ 50 مليون دولار، وذلك بسبب طبيعة الأوضاع السياسية التي كانت سائدة آنذاك مما يجعل من أي مشروع يعقد مع إيران مجازفة كبرى.([62])
لم يثن هذا الفشل الحكومة الإيرانية عن مواصلة سعيها لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة . فقد أعلن محمد شايستة وزير إيران المفوض لدى واشنطن في شباط 1940 "رغبة بلاده في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة على أساس برنامج تفصيلي لا يتحدد بالحرب بل يمتد إلى ما بعدها أيضاً" .([63]) وقد لقيت هذه التوجهات اهتمام الحكومة الأمريكية . إذ قام النفط مرة أخرى بدوره في زيادة اهتمام الأمريكان بإيران ، ذلك بسبب تزايد مخاوفهم من احتمال تهديد دول المحور لمناطق إنتاج النفط في منقطة الخليج العربي ، التي كانت لهم فيها امتيازات نفطية مهمة ، على اثر التوقيع على ميثاق عدم الاعتداء بين كل من الاتحاد السوفيتي وألمانيا النازية في 23 آب 1939 التي تمكنت ألمانيا من خلاله تحييد الاتحاد السوفيتي ، مما جعل بريطانيا تقف وحدها في مواجهة الألمان الذين قد يتمكنون من توجيه ضربة حاسمة لها في مياه البحر المتوسط .([64]) كما جاء هذا الاتفاق ليزيد من مخاوف الحكومة الأمريكية من احتمال وجود نوع من التواطؤ بين الدولتين ، ومما عزز هذه المخاوف التقارير التي كانت تتسلمها وزارة الخارجية الأمريكية من القائم بأعمالها في طهران انكرت Engert التي أشارت إلى أن السوفيت طلبوا من الحكومة الإيرانية إعطاءهم الحق في السيطرة على السكك الحديد واستخدام القواعد الجوية الإيرانية كافة .([65])