لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 6
وهذا يؤكد أن مفهوم الأخوة عند (إخوان الصفاء) قائم على عوامل أخرى غير عامل الدين أو العرق، كما يؤكد أن (إخوان الصفاء) فئة من المثقفين، التقوا حول قيم تعبر عن المكونات الحضارية للمجتمع في عصرهم، التي هي مزيج من ميراث العرب الأصيل، والثقافات الأجنبية.
وقد لازمت فكرة الإخاء هذه كافة الحركات الثورية في المجتمع الإسلامي، وكان المقصود من فكرة الإخاء في هذه الحركات إزالة الأسباب التي تؤدي إلى انقسام الناس إلى طبقات متعادية متطاحنة، والعمل على قتل عوامل العداوة والبغض، وتقوية أواصر المحبة والإخاء الحقيقي بينهم، بغض النظر عن معتقداتهم الدينية(16).
هذا عن كلمة (إخوان)، أما عن كلمة (الصفاء) فقد أشار إليها إخوان الصفاء في رسائلهم بأنها تعني النقاء والصفاء من شوائب التغيير والاستحالة، وأن من عدم هذه الصفة لا يكون من إخوان الصفاء، فيقولون: «واعلم يا أخي، أيّدك الله تعالى، أنه لا سبيل إلى صفاء النفس إلا بعد بلوغها إلى حد الطمأنينة في الدين والدنيا جميعاً.. ومن لا يكون كذلك فليس هو من أهل الصفاء، لأنه لو كان من أهل الصفاء، لكان له بصفائه عمن دونه الغنى. واعلم يا أخي أن حقيقة الصفاء أيضاً هي: أن لا يغيب عن النفس الصافية الزكية شيء من الأشياء التي بها الحاجة إليها، لما قد بليت به من مداواة هذا الجسم من مقاساته، وبالصفاء تتهيأ لها الراحة منه والبُعد عنه، بحيث لا تكون نازلة عليه ولا مشتاقة إليه»(17).
ويقولون في موضع آخر: «فلا تنكر أيها الأخ ما ذكرنا، من أن الزمان لا يدوم بصفائه، إن الصفاء إنما يُعرف بالكدورة، والعدل بالجور، والصحة بالسقم، وإنما صفاء إخوان الصفاء لما أخلصوا الصبر على البلوى في السراء والضراء، واستسلموا لربهم، وانقادوا إليه بنفوس طيبة ساكنة مطمئنة»(18).
فإخوان الصفاء يذكرون إذن صراحة أن اسمهم مأخوذ من صفوة الأخوة، وهم بذلك يعطون أنفسهم أوصافاً يدل ظاهرها على أنهم الصفوة المختارة في الأخوة والصحبة التي يريدونها.
عبارة (خلان الوفاء):
خلان: جمع خليل، والخليل: هو الذي أصفى المودة وأصحها، ومنه قوله تعالى: ﴿ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ [النساء:125]، أي أحبه محبة لا خلل فيها، والخليل: الحبيب والصديق(19).
وأما عن كلمة (الوفاء)، فهي ضد الغدر، والوفيُّ: هو الذي يعطي الحق ويأخذ الحق، كما أنها تعني الخلق الشريف، فلا شك إذاً أنها وثيقة الصلة بالصفاء(20).
وبهذا يتضح لنا من ظاهر عبارة (إخوان الصفاء وخلان الوفاء) وهو الاسم الذي اختير من قِبَل (الإخوان) ليكون رمزاً لهم عن غيرهم من سائر الجماعات، أنهم جماعة صفت نفوسهم من شوائب المادة، وعلت أرواحهم من علائق المنفعة، فوصلوا إلى أسمى أوج الإخلاص والتآخي والوفاء، ولما تصافت نفوسهم وتعارفت أرواحهم، تآخوا على البر والتقوى. وقد وصفهم أبو حيان التوحيدي بقوله: «وكانت هذه العصابة قد تآلفت بالعشرة، وتصافت بالصداقة، واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة»(21).
كما أن وصفهم لأنفسهم يؤكد أن الاسم الذي اختاروه لجماعتهم إنما هو للدلالة على ما يسود بينهم من علاقات صافية في السراء، ووفاء عند الوقوع في الشدائد والمحن، إذ يرون أنهم إخوان وأصدقاء أصفياء، وادون محبون، علماء، أخيار فضلاء، وكرام حريصون متعاونون(22).
ويبدو أن هذا الاسم يشير - أيضاً - إلى نشأتهم، وإلى هدفهم، لقد عقدوا العزم على أن العلم والمعرفة للإنسان.