لقد حفظ لنا تاريخ الفكر الإنساني مجموعة هائلة من الآراء والنظريات في المشاكل التي طرحت على بساط البحث، كما قدم لنا المناهج التي اتخذها المفكرون وهم بصدد الوصول إلى نتائج أبحاثهم، هذا بالإضافة إلى الاستدراكات التي قدمها اللاحقون على السابقين، مما يشكل تاريخ
قراءة كتاب إخوان الصفا وفلسفتهم الدينية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 10
لهذه الأسباب قرر البعض أنه ليس ببعيد أن تكون جماعة الإخوان قد اختارتها منشأً أو مركزاً لها، لا سيما وهي مع بُعدها عن بغداد - عاصمة العباسيين - كانت على صلة متينة بسائر الحواضر الأخرى، هذا علاوة على أن الحركات غير الموالية عادةً ما تنشأ في حواضر آهلة بعيدة عن قلب البلاد(10).
ويرى فريق آخر أن مركز دعوة إخوان الصفاء، وبداية نشأتهم كحركة سرية كان بمدينة (سلمية) بالشام، ثم بعد ذلك تأسست فروع الجمعية في مختلف أنحاء البلاد - على أساس أن الأئمة المستورين - وإلى أحدهم تنسب رسائل الإخوان - كانوا يعتبرون (سلمية) مركز حركتهم.
وقد اعتمد أصحاب هذا الرأي على المخطوطات التي اكتشفت حديثاً، والتي تشير إلى أن الأئمة المستورين من أبناء إسماعيل بن جعفر كانوا ينتقلون سراً داخل البلاد، وكانت جميع تنقلاتهم تنتهي إلى مدينة (سلمية)، كل هذا علاوة على أن هذه المخطوطات تشير إلى أن إخوان الصفاء قد وضعت أو صنفت في عهد هؤلاء الأئمة(11).
وقد رجح الدكتور (حجاب) أن يكون جماعة الإخوان قد اتخذت من مدينة (سلمية) بالشام مركزاً رئيسياً لها، واتخذت لها فروعاً في مختلف البلدان والأقاليم، إذ بالإضافة إلى المخطوطات التي أشار إليها أصحاب الاتجاه الثاني، فإن الظروف السياسية للشام - في العصر الأول العباسي وأوائل العصر الثاني - تجعله مكاناً مناسباً لظهور جماعة إخوان الصفاء واتخاذه مقراً رئيسياً لحركتهم.
ويستطرد الدكتور حجاب قائلاً: «إذ إن اشتراك العلويين وأهل الشام في بغض وكراهية الدولة العباسية قد يكون دافعاً لتشجيع أئمة الإسماعيلية على اتخاذ (سلمية) بالشام مركزاً رئيسياً لدعوتهم السرية، هذا بالإضافة إلى بُعدها عن عاصمة الخلافة، والمدن الرئيسية، مما يجعل هؤلاء الأئمة في مأمن من عيون بني العباس»(12).
وبعد استعراضنا لبعض الاتجاهات التي قيلت حول المكان الذي ظهرت فيه جماعة الإخوان، نرى أنه ليس في الآراء التي قيلت رأي أولى بالترجيح من الآخر، لأن الإخوان ينتمون لفرقة الباطنية، وهي فرقة بطبعها كثيرة الترحال، فلا مانع من أن تكون منتشرة في بيئة العراق كلها، وفي مدينة (سلمية) بالشام، يؤيد ذلك ما ذكره (ابن النديم) عن عبدالله بن ميمون أحد مؤلفي الرسائل من أنه سار إلى البصرة، وهرب إلى سلمية، ثم إلى عسكر مكرم، ثم داران، ثم البصرة مرة أخرى(13).
وهذا دليل على مدى انتشار أتباع الجماعة وأنصارها في مختلف الأقاليم، ويترتب على هذا الانتشار أن تكون في هذه الأقاليم مراكز للدعوة، يتلقى الأتباع من خلالها تعليمات وأوامر وتوجيهات المركز الرئيسي للدعوة، ويرسلون لهذا المركز من خلاياهم المحلية ما تجمع لديهم من معلومات.
وبهذا نستطيع أن نقرر أن مدينتي (البصرة) و(سلمية) كانتا تمثلان المركز الرئيسي لدعوة الإخوان، مع القول بأنها كانت منتشرة في أنحاء متفرقة من أجزاء العالم.