أنت هنا

قراءة كتاب خريف الدبلوماسية المصرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خريف الدبلوماسية المصرية

خريف الدبلوماسية المصرية

كتاب " خريف الدبلوماسية المصرية  " ، تأليف محمد عبد الهادي علام ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

فقد شهدت فترات معينة دورا أكبر لجهات محددة في معالجة ملفات خاصة بسبب تداخل السياسي مع الأمني فيها. وكثيرا من المعالجات تحقق فيها نجاح بسبب معرفة هذه الجهة أو تلك حدود دورها وتنسيقها الكامل مع وزارة الخارجية، وكذلك لإدراكها حدود "التفويض" الممنوح لها من رئيس الدولة في معالجة هذه الملفات.

لكن في حالات أخرى تنجم مشاكل بسبب محاولة وزارات أخرى زيادة مساحة دورها، وضعف التنسيق مع وزارة الخارجية وأحيانا تجاهلها وسوء فهم حدود التفويض، ما يجعل الوزارات والمؤسسات تبدو في ملفات معينة وكأنها جزر منعزلة ما يضر في النهاية بالمصالح الوطنية.

وهناك نماذج عديدة في هذا الشأن لإرباك وزارات أخرى حركة وزارة الخارجية وشغلها في قضايا فرعية كان أداء هذه الوزارات فيها يضر بالمصالح الوطنية لولا تدخل وزارة الخارجية التي تتحمل أخطاء الآخرين.. لعلاجها.

ومن بين هذه النماذج ـ على سبيل المثال وليس الحصر وعلى الهامش وليس في العظم ـ اتهام نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة الدكتور يوسف والي كازاخستان عام 1994 بأنها قدمت لإيران غواصات نووية برغم أن كازاخستان لا تملك مثل هذه الغواصات لأنها دولة داخلية ولا تطل إلا على بحيرة قزوين التي هي بمثابة "بانيو" لا يصلح لتصنيع هذه الغواصات. واحتجت كازاخستان وعالجت وزارة الخارجية المسألة.

وعشية سفر الرئيس مبارك لفرنسا في فبراير 2007م اتهمت وزارة الخارجية سبعة مواطنين فرنسيين يدرسون الإسلام بمصر بأنهم على علاقة بالقاعدة وتم ترحيلهم إلى باريس حيث أطلقت السلطات الفرنسية سراحهم فورا باعتبار الاتهامات باطلة، وكادت تلقي هذه القضية ظلالها على زيارة مبارك لولا العلاقات الطيبة بين البلدين وعلاقة الصداقة بين مبارك وشيراك، لكن الخارجية الفرنسية قدمت احتجاجا شديد اللهجة إلى الحكومة المصرية.. وتولت وزارة الخارجية معالجة المسألة والتي كان يمكن تجنبها لو كان هناك تنسيق بين الوزارتين فهذه المشكلة وتداعياتها تكشف غياب التنسيق.

أما المسألة التي تبدو بلا علاج حتى الآن فهي شكوى كل من روسيا والدول الأطراف في تجمع "الكوميسا" لدول شرق وجنوب إفريقيا أحيانا من عدم وفاء منظمات ورجال الأعمال المصريين الذين عهدت الدولة إليهم بتنفيذ السياسة الخارجية في هذا المجال.. بالتزاماتهم.

ومن أهم الأمثلة في هذا الصدد تعطيل دخول اتفاقية المشاركة مع الاتحاد الأوروبي التي تولت وزارة الخارجية زمام التفاوض بشأن إبرامها إلى حيز التنفيذ لمدة خمس سنوات منذ توقيعها عام 1999م وحتى بدء تنفيذها عام 2004م بسبب اعتراض وزراء في المجموعة الاقتصادية ومنظمات رجال الأعمال على بعض البنود بزعم إضرارها بالصناعة الوطنية وطلبهم إعادة التفاوض حولها رغم أن المفاوضات استغرقت ست سنوات منذ 1993م وشاركت فيها كافة الوزارات والأجهزة المعنية!!

ففي الوقت الذي استغرقت فيه عملية التفاوض بين الاتحاد الأوروبي ودول في المنطقة مثل تونس وإسرائيل لإبرام اتفاقيات مماثلة ودخول هذه الاتفاقيات إلى حيز التنفيذ بضعة أشهر فقط، استغرقت العملية في الحالة المصرية 11 عاما!! الأمر الذي أثار الحديث عن "لوبي أمريكي" في السياسة الخارجية المصرية في مواجهة "لوبي أوروبي" أو "لوبي تنويع مصادر القوة" بما تم طرح إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة بدلا عن اتفاقية المشاركة مع الأوروبيين.

من أكثر الملفات التي تشهد بروز مشاكل ملف العاملين المصريين بالخارج حيث انفجرت المشاكل في ليبيا والأردن والكويت والسعودية خلال العام 2007م، وفي غيرها في ظل انفراد وزارة القوى العاملة بعقد اتفاقيات لتنظيم العمالة مع دول مستقبلة لها وغياب التنسيق الكامل مع وزارة الخارجية التي باتت وحدها تتحمل النتائج السلبية أمام فوهات المدافع، وتجلت مظاهر ذلك في إبرام اتفاقيات تتعلق بالعمالة في دول أخرى دون تنسيق كافٍ، والتعامل مع هذه العمالة في دول أخرى تحت مسمى "تقنينها"، ما جعل حكومات هذه الدول تتعامل مع العمالة غير "المقننة" بوصفها عمالة غير شرعية واستتبع ذلك إجراءات ضدها، وتجاهل حضور وزارة الخارجية نشاطات تتعلق بالعمالة في الخارج وصولا إلى عقد اتفاقيات لتصدير "خادمات"!

ومن هذه المظاهر أيضا غياب وزير الخارجية عن لقاء رئيس مجلس الوزراء الدكتور أحمد نظيف في أكتوبر 2007م مع ما يسمى بـ"منتدى المصريين بالخارج" وتكليف نظيف لوزيرة القوى العاملة بإنشاء آلية "جديدة" (لماذا جديدة وما هي القديمة) للتعامل مع قضايا العاملين بالخارج لدى الوزارات الأخرى على أن تكون وزارة القوى العاملة هي حلقة الوصل بينهم وبين مختلف الوزارات.

فإذا كانت تلك القضايا تتعلق بالعلاقة مع الداخل فلا بأس، لكن إذا كانت القضايا تتصل بوجودهم بالخارج وبإدارة العلاقات مع الدول المقيمين فيها في مسائل قنصلية، خاصة أن وزارة الخارجية هي المفوضة من وزارات ومؤسسات الدولة تقديم الخدمات التي تقدمها هذه الأجهزة في الداخل إلى المصريين بالخارج، فتلك قضية أخرى.

ولتنشيط الذاكرة ففي مطلع التسعينيات من القرن الماضي وبعد فترة شهدت هوجة مؤتمرات العاملين المصريين بالخارج، والتي غلب على المشاركين فيها نهج "من حضر القسمة فليقتسم"، تم إلغاء هذه المؤتمرات بسبب أن جلساتها شهدت مطالب بأكثر مما طرح فيها من أفكار تحت شعار "ما تقولش إيه ح تدي مصر، وقول ح تأخد إيه من مصر"، بل تم إلغاء وزارة الهجرة والمصريين بالخارج التي كانت تنظم هذه المؤتمرات أساسا. وتم إسناد أغلب ملفاتها إلى وزارة الخارجية وإدارة الشؤون القنصلية والمصريين بالخارج والهجرة واللاجئين برئاسة مساعد لوزير الخارجية.

وأطلت تلك المؤتمرات مؤخرا تحت مسمى "منتدى المصريين بالخارج" بمطالب مثل التمثيل في المجالس النيابية.. وبآراء مثل أن الجنسية المزدوجة لا تعني عدم الوطنية.. ناسين تعريف ما هي الوطنية.. وهل هي نسبة إلى الوطن الأم أم إلى الوطن الجديد؟.. وأن أولادهم يؤدون الخدمة العسكرية في جيش الوطن الجديد وليس في القوات المسلحة المصرية؟!

في أعقاب ترك وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى وزارة الخارجية إلى الأمانة العامة للجامعة العربية في مايو عام 2001م طرحت أطراف عدة في الوطن الأم والجديد (ممن أزعجها امتلاك الوزارة في عهد موسى زمام المبادرة والتحرك في ملفات السياسة الخارجية كافة) موضوع "تعريف وزارة الخارجية" أو بالأحرى إعادة تعريف دور الوزارة لجهة تقليص مساحة دورها وحركتها بدعوى أنها وسعت دورها ليشمل التفاوض مع أطراف دولية في الملفات الصناعية والتجارية والزراعية والعمالة المصرية بالخارج.

وتسلط المشكلات الخاصة بالعاملين المصريين بالخارج من آن لآخر الضوء على خطورة هذا التوجه (تقليص دور وزارة الخارجية) مما يستدعى تعريف "دورها" التعريف الصحيح فيما يتصل بإدارة مصر علاقاتها مع العالم، وتحديد أدوار الوزارات الأخرى. أين تبدأ أو أين تنتهي؟.. وحدود التفويض الممنوح لها في بعض الملفات ليس لحماية هذا المؤسسة التي تتجاوز الوطنية فيها المهنة ورجالها إلى المعاني ورموزها، بل لحماية المصالح العليا للوطن.. الأم والأخير.

والخلاصة أن فاعلية السياسة الخارجية وقدرتها على تحقيق المصالح العليا، وبالتالي قدرة وزارة الخارجية بل وأداؤها، تتأثر بعدة عوامل داخلية تندرج تحت عنوان "وزن الدولة" وثقلها، منها مدى تماسك وضعها الداخلي والمدى الذي يمكن أن تصل إليه جهودها في تعبئة الموارد وحشد الإمكانيات وإقناع الرأي العام، وحجم الناتج الإجمالي القومي ومتوسط دخل الفرد وقوة بنيتها التحتية ومستوى كوادرها البشرية علاوة على ما تملكه أو لا تملكه من قوة ناعمة (التأثير الثقافي والحضاري) أو ما تملكه ولا تحسن استثماره من عناصر هذه القوة، وفضلا عن قدرات الدولة العسكرية بطبيعة الحال.

وفي سبيل تحقيق الأهداف تتعامل السياسة الخارجية مع تحديات عدة يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات.. الأولى: تحديات إقليمية ضاغطة وتتمثل في الأوضاع المتوترة سياسيا وأمنيا وعسكريا في الإقليم مثل قضايا فلسطين والعراق ودارفور ولبنان ومنابع النيل وأمن البحر الأحمر وباب المندب وقضايا نزع السلاح، والثانية: تحديات تتعلق بالنظام الدولي أحادي القطبية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1992م ومن ثم بإدارة العلاقات الدولية سواء على المستوى المتعدد الأطراف أو التكتلات والمنظمات الدولية والإقليمية، والثالثة: تحديات تتعلق بإدارة العلاقات الثنائية.

ويستند الجدل حول "تراجع" الدور المصري إلى ما تطرحه السياسة الخارجية من أهداف، ويقاس هذا التراجع بمعيار النجاح من عدمه في تحقيقها، فالسياسة الخارجية المصرية تطرح ما تسميه "الفلسفة الحاكمة للتحرك السياسي الخارجي" على النحو التالي: العمل على تأمين الإقليم من الاضطرابات سواء من خلال الدبلوماسية الوقائية أومن خلال سرعة التحرك لاحتواء الأزمات.. والعمل على تحقيق أعلى مستوى ممكن من الاستقرار في المنطقة من خلال طرح حلول للمشكلات والنزاعات الإقليمية.. وتأمين أكبر قدر من الدعم الدولي للتنمية وكذلك رعاية المصريين بالخارج وتعزيز المصالح الثقافية.

فالسياسة الخارجية تربط تحركها هذا بأهداف حماية الأمن القومي المصري في بعده الجغرافي وصلة ذلك بتأمين الاستقرار وتعزيزه وتحقيق السلام وتسوية النزاعات والوقاية من أي تهديدات محتملة وتحدد السياسة الخارجية البعد الجغرافي بالمنطقة الممتدة من شمال إفريقيا غربا إلى إيران وأفغانستان شرقا إلى منابع النيل وشرق إفريقيا جنوبا.

الصفحات