كتاب " في مهب الثورة (2) " ، تأليف الفضل شلق ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب في مهب الثورة (2)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ثورة، لا فقاعة ولا انقلاب
ليست الثورة العربية فقاعة، بالمفرد أو الجمع. الثورة هي حركة الناس ضد المنظومة السياسية العربية. الثورة تتجدد منذ قرنين من الزمان وهي مستمرة. المنظومة السياسية العربية تشكلت منذ 1947 حين تم إنشاء الجامعة العربية. كادت المنظومة العربية أن تسقط على يد المد الوحدوي العربي، أيام عبد الناصر. أعيد تشكيل هذه المنظومة بانقلابات أو فقاعات أدت إلى تحالفات غريبة بين أنظمة كادت تكون ثورية وتقدمية واشتراكية ووحدوية قبل أن تنحاز إلى قوى رجعية تحكم أنظمة النفط العربية، التي تدعمها القوى الإمبريالية.
كان إنشاء أنظمة الاستبداد وسيلة لتدعيم دول النفط العربي بإشراف إمبريالي، ولتشتيت قوى المجتمع العربي وتفتيتها، وتعمية الوعي، وتعميق حالة التبعية للخارج. قوى الاستبداد التي تسقط في هذه الأيام كانت شكلاً من أشكال إعادة ترتيب أوضاع الإمبراطورية. نشأت دول الاستبداد هذه نتيجة انقلابات واغتيالات، منذ أربعين سنة. وقد قال أحد قادة انقلاب البعث في العراق في العام 1963: «لم نكن ندري أننا جئنا إلى الحكم بعربة تجرها خيول أميركية».
كانت الجامعة العربية في الخمسينيات أحد مسارح الصراع بين قوى التحرر والقوى الرجعية، إلى أن انتصرت الأخيرة وصارت الجامعة منظومة دول استبداد من الخليج إلى المحيط. صار الأهم لدى هذه المنظومة ليس العمل العربي المشترك ولا الدفاع العربي ضد إسرائيل وداعميها، ولا حتى معارضة تفتيت أقطار عربية، بل صارت ذراعاً لوزارات الداخلية التي مارست القمع والتعذيب في كل مكان، لحسابها ولحساب دول الغرب الإمبريالي. كان المعتقلون العرب في الغرب يُعاد تصديرهم إلى بلدان عربية للتعذيب، الذي يعتبر ممنوعاً قانونياً في الغرب.
طال أمد الاستبداد حتى خيّل للكثيرين أنه سيدوم حتى الأبد. مع مرور الزمن ينقطع الحاكم عن شعبه، ينسى أن الظروف صنعته، وأن التاريخ سلسلة تطورات تنبع من أعماق المجتمع أيضاً. مع مرور الزمن تنقطع صلة الحاكم المستبد بشعبه؛ يظن أنه هو صانع إرادة شعبه. بالطبع يستطيع أي نظام أن يشكل كتلة من الأزلام الغوغاء. يظن الحاكم أنهم هم المجتمع، خصوصاً عندما يهتفون له بالروح ويفدونه بالدم.
يصير النظام شمولياً عندما يخلط الحاكم بين السلطة والمجتمع. يعتقد أن المراسيم والأوامر الإدارية تحرك كل شيء. في النظام الشمولي لا شيء يتحرك. يتوقف التطور. يصاب الاقتصاد بالشلل. وقد سقط الاتحاد السوفياتي نتيجة ذلك؛ ودون عنف في النظام النازي تم تحويل معظم المجتمع إلى غوغاء يهتفون للزعيم، فكانت الحرب العالمية الثانية، وكانت شديدة العنف كثيرة إهراق الدماء. الشعب ليس غوغاء السلطة. حركة المجتمع شيء آخر. بالإمكان مصادرة إرادة المجتمع، لكن لأمد قصير. أما فترة استبداد ممتدة لعقود ثلاثة أو أربعة فهي زمن طويل. فاشية فرانكو دامت من أواخر الثلاثينيات حتى موته في بداية السبعينيات؛ وظهر بعدها أن المجتمع الإسباني كان غير ما أراده فرانكو.
لكل مجتمع دولة. المجتمع يدوم. الدولة تدوم. تحدث الصراعات على مسرح السلطة، وفي إطار الدولة. لكن السلطة لا تستطيع مصادرة المجتمع والدولة إلى الأبد. تذهب سلطة وتأتي أخرى. الأهم ما يحدث لدى الجمهور من تغيرات. تحدث الثورة عندما يتوقف الشعب عن الخوف من السلطة. رحل الخوف من المجتمعات العربية إلى غير رجعة. مع رحيل الخوف تتساقط السلطات السياسية والدينية والأمنية. يناقش الناس أمورهم، كل أمورهم؛ يفرضون إرادتهم، ولو إلى حين. يناقشون علناً في مصر أموراً دينية وسياسية لم نكن تحلم بالتفكير فيها قبل عامين، ولم يكن المصريون يجرؤون على الجهر بها.
ما حدث في العام 2011، بدءاً من سيدي بوزيد، نقطة تحول كبير في الوطن العربي. أحداث كبرى، تحولات مفاجئة ومتتالية، انفتاح آفاق جديدة تؤدي إلى سياسات من نوع آخر. انقضى زمن الانقلابات والفقاعات. هذا زمن التحولات العربية الكبرى.
11/1/2013


