كتاب " وطن لشعوب كثيرة " ، تأليف طلال سلمان ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب وطن لشعوب كثيرة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
النظام اللبناني ينتصر على الانتفاضات العربية!
عبرت الثورات والانتفاضات العربية، أبعدها بالسياسة وأقربها بالجغرافيا، فضاء لبنان من دون أن تؤثر في نظامه الجبار برغم الأزمات الدورية التي تعصف بسلطته ودولته على مدار الساعة... بل لعل النتائج السياسية المباشرة لتلك الانتفاضات وانتصار التيارات والأحزاب ذات الشعار الديني في الانتخابات في تونس بداية، ثم في مصر، قد وفرت تزكية إضافية للنظام الطوائفي في لبنان بوصفه ضمانة للاستقرار وبوليصة تأمين ضد الحرب الأهلية!!
ثم إن تهاوي أو تداعي أنظمة كانت تبدو جبارة لا يطاولها الخطر لا من داخلها ولا من خارجها، قد أكد ـ مرة أخرى ـ أن النظام الفريد القائم في لبنان هو أقوى الأنظمة وأمنعها ليس في دنيا العرب فقط بل وفي العالم أجمع!
إنه نظام هشّ في ظاهره، مركّب من قطع عديدة مختلفة المساحات والأشكال والألوان، على طريقة «البازل»، بحيث إنه يحتوي فيلخص مجموع الأنظمة!
لكنه نظام جبار في حقيقته، وسر قوته أنه يملك ليونة تمكّنه من احتواء الصدمات: يغطس ويتماوت متى جاءت الموجة عالية، ثم يعود إلى السطح وقد ازداد صلابة بعد النجاح في احتواء الموجة والتكيّف مع وجهتها من دون أن يغيّر موقعه وإن بدّل في موقفه: إذا كانت دمشق هي الأقوى فهو سوري بلكنة سعودية، وإذا كانت القاهرة هي الأفعل فهو مصري بلكنة أميركية، وإذا كانت بغداد هي الأفعل صار عراقياً بلكنة سورية... ودائماً من دون أن يتنازل عن «حصة ما» لأوروبا فيه، باعتبار أنها أعادت صياغته في لحظة انشقاق تركيا عن السلطنة العثمانية.
ولعل شعار «النأي بالنفس» عن تداعيات التحوّل التي عصفت بالنظام العربي خلال السنة الماضية، يلخص ذروة مبتكرات أهل السلطة في لبنان وهم يعتصمون في قلعة نظامهم الذي يستعصي على الإصلاح من داخله كما يستعصي على الإصلاح من خارجه.
وليس من غير دلالة أن تسعى الدول جميعاً، الرأسمالية والتي كانت شيوعية، ومعها مختلف الأنظمة العربية، ملكية وجمهورية، سلطنات وإمارات ومشيخات، إلى حماية هذا النظام والاعتراف بفرادته وضرورته، ومن ثم إلى التعاون على «نصح» القيادات السياسية المعترضة عليه في الداخل بالتعقل والاعتدال والحرص على هذه «النعمة» التي خصهم بها «الاستعمار» فحماهم من جحيم الانقلابات التي عصفت بجوارهم القريب كما بأشقائهم في المحيط العربي.
بالمقابل فإنه من حق النظام اللبناني التباهي بأنه طالما شكّل الملجأ والموئل ودار الضيافة للقادة السياسيين العرب الهاربين من جحيم أنظمتهم، ملكية وجمهورية، عسكرية أو حزبية، فإذا ما عادوا «منتصرين» إلى ديارهم طردوا إليه خصومهم ممّن كانوا في السلطة، إذا ما أخذتهم بهم الرحمة، أو تسامحوا معهم وهو يقبلهم لاجئين فيه وإليه.