كتاب " دراسات في النص الشعري العباسي " ، تأليف د.أحمد علي الفلاحي ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب دراسات في النص الشعري العباسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ولا يمكننا أن نطمأن لهذا الرأي أو نشارك الباحث فيه؛ لأنه لو كان ما ذهب إليه الباحث هدفاً للمعري لترجمه بوجه آخر كغيره من الشعراء، ولتقرّب من الولاة والامراء ولتزلّف لهم وتقبّل هداياهم، ولو أراد الدنيا لفتحت أبوابها بتزلّفه للولاة أو قبوله تقرّب الولاة إليه، لكنه رفضها، كما رفض الهبات والعطايا ومال الى الدرس والعلم والعقل والفلسفة والأدب والدين.
فقد روي ان المستنصر صاحب مصر بذل له من بيت المال بالمعرة من المال فلم يقبل منه شيئاً وقال:
لا أطـلـب الأرزاق والــ
مولى يفيض عليّ رزقي
إن أعط بعض القوت أعـــ
ـلم أن ذلك فوق حقي([17])
ودعا صراحة الى نبذ الناس والابتعاد عنهم لأنهم مجتمع نفاق وتملق، فقد جاروا عليه عندما جعلوا محاسنه عيوباً وحسناته ذنوباً وعقله حمقاً وسفاهة وزهده فسقاً، فقال:
دع الناسَ واصحبْ وحْش بيداءَ قفرة
فإن رضاهُـم غايـة ليـس تُـدْرَك
إذا ذكروا المخلوق عابُوا وأطنبوا
وإن ذكروا الخلاّق خانوا وأشركوا([18])
وإن الدنيا استمالت الناس فأضلّوا الطريق وفقدوا الصدق وأحبّوا النفاق إذ يقول:
قد فُقِدَ الصدق وماتَ الهدى
واستحسن الغدر وقل الوفاء([19])
وهو يشير بذلك الى قول النبي محمد ÷ في وصف المنافق ((آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))([20]).
لذلك نراه يجدد الدعوة لعبادة الواحد الأحد عبادة توحيد لا لبس فيها ولا نفاق، والابتعاد عن الناس ولا سيما الأمراء والرؤساء؛ لأنه يرى في عشرتهم والتقرب إليهم تزلّفاً ونفاقاً وابتعاداً عن الدين إذ يقول:
توحَّد فإن الله ربك واحد
لا ترغبنَّ في عشرة الرؤساء([21])
ويعبر عن عزة نفسه الزكية التي لا تقبل التزلف والتوسل لأحد، سوى التواضع لرب العالمين، فيقول:
إذا مدحوا آدميّاً مدحـ
ـتُ مولى الموالي وربّ الأمم
وذاك الغنيُّ عن المادحين
ولكـنْ لنفسي عقـدْت الذمم([22])
وهذا يدل على شدة ورعه، وزهده عن الدنيا وملذاتها، وصدق إيمانه ونقائه.
وعلى الرغم من زهده وابتعاده عن الرؤساء والولاة، وعن المجتمع بما فيه من تزلّف، نراه يفخر بنفسه، ويعبّر عن نفس أبيّة عالية الهمة حيث يقول:
تُعدُّ ذنوبي عند قومٍ كثيرة
ولا ذنبَ لي إلا العُلا والفواضلُ
كأني إذا طلتُ الزمان وأهله
رجعتُ وعنـدي للأنام طوائلُ([23])