كتاب " دراسات في النص الشعري العباسي " ، تأليف د.أحمد علي الفلاحي ، والذي صدر عن
أنت هنا
قراءة كتاب دراسات في النص الشعري العباسي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلسفته للدين:
استطاع ابو العلاء المعري أن يكوّن لنفسه فلسفة خاصة، من خلال فهمه حقيقة الدين الاسلامي، وتجسيد القيم الانسانية النبيلة والفكر الديني في الأسلام، وفهم رسالة الأنسان في الحياة، وكل ذلك متأتي من نظرته للمجتمع الذي يعاصره مع دراسة وتتبع طبيعة المجتمعات التي سبقته من خلال دراسة هذه التجارب وتقيمها.
وعلى الرغم من انه على المسلم الأتباع والامتثال إلا أن الاتجاه العقلي لم يكن غريباً عن الفكر الإسلامي، فقد خاطب الدين الإسلامي العقل في أمور عديدة، ودعانا الله سبحانه وتعالى الى التفكر والتدبر في الكون وخالقه في مواضع عديدة من القرآن الكريم، وتكررت بعض الألفاظ التي تدعو الى التفكّر والتدبّر نحو (يتفكرون) و (يعقلون) و (يتدبرون) و (يتذكرون) كقوله تعالى:(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) ([24]) وقوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) ([25]) وقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ([26]) وقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ([27]).
وفي ذلك دعوة للمسلم من الحق سبحانه وتعالى الى النظر لأحواله وما يحيط به بعقله وفكره وتدبره.
يرى أبو العلاء أن روح الاسلام تكمن في السلوك الانساني بين الافراد والجماعات لافي العبادة فقط، أو أنها طقس تشريعي تكليفي فقهي تنتهي وظيفتها عند حدود العبودية، وإنما يجب ترجمة الدعوة الإسلامية إلى سلوك وعقيدة ويجب تشرّب الروح الإسلامية في المسلم، ولا يجوز حصرها في الوعظ والإرشاد عند الدعاة أو أداء أركان الإسلام فقط دون السلوك التطبيقي للمنهج الإسلامي.
وقد تجلى هذا الوعي المعرفي للعقيدة عند أبي العلاء من خلال (وعيه لتوحيد الله الذي ارتبط بالعبودية وتوحيد أوامر الله الذي يعني العبادة الحقة الواعية، ومنهجاً أخلاقياً مبيناً للحق ورادعاً للباطل... وأنها تتويج للحالة العقيدية والحالة الخلقية، وأنها شأن علمي عقلي - فردي وجمعي – تنفيذي قوامه الالتزام)([28])، لذلك فهو يدعو الى إعادة منهجية التفكير بما يخدم الدين والدنيا فقد أدرك الإيمان الحقيقي، وفهم التوحيد إيماناً وعملاً وسلوكاً، ولاحظ الهوّة بين حقيقة الدين وجوهره، و تديّن الناس وحدود معرفتهم بدين الله، فدعا الى الصدق في النيّة، والاخلاص في العمل؛لأن الحفظ يمكن أن يكون وسيلة الوعي ولكنه لا يمكن أن يكوّنه. ويرى أن الاعتقاد بالتفكير أفضل مما يكون بالتسليم،وان الصلاة والصوم وأركان الإسلام الأخرى يجب أن تتجسد في روح الإنسان وعمله بما يصدر عنه من مشاعر الإحساس بالآخرين وما ينطوي على ذلك من عمل الخير والتقوى، ففريضة الصوم مثلاً مقترنة بجانب إنساني وهو الشعور بألم الفقراء والمساكين والإخلاص في إعانتهم، لذلك نراه ينتقد ويهاجم بشدة بعض الأمراء والفقهاء والدعاة الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، فقال يصفهم وينبه الذين غُرِّرَ بهم:
رويدك قد غُررت وأنت حر
بصاحب حيلة يعظُ النساء
يُحرّم فيكم الصهباء صبحاً
ويشربها على عمد مساء([29])
ويصفهم في موضع آخر بقوله:
تستروا بأمور فـي ديانتهـم
وإنما دينُهم ديـنُ الزنـادق
نُكذبُ العقل في تصديق كاذبهم
والعقل أولى بإكرام وتصديق([30])
ثم يصف هؤلاء الذين غرتهم الدنيا فباعوا أنفسهم لها فيقول:
بـخيفـة الله تعبّـدتـنـا
وأنت عيْن الظَّالم اللاّهي
تأمرنا بالزُّهد في هذه الـ
ـدّنيا وما همّك إلاّ هي([31])