كتاب" في البدء كانت الحرية " ، تأليف شريف رزق ، والذي صدر عن مؤسسة شمس للنشر والاعلام ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
أنت هنا
قراءة كتاب في البدء كانت الحرية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
(7)
الحُرِّية والخوف
حين يشعر الإنسان بالخوف، تتراجع خطواته وترتعش يديه، الخوف يجعلنا لا نتحرك للأمام، فالخوف من المستقبل يجعلنا في حالة قلقٍ دائم، يستحيل معه حين ذاك أنْ نستمتع بالحاضر المُعاش.
لن يتحرك الإنسان إلى الأمام إلَّا إذا نُزِعَ عنه كل أشكال الخوف، وحين يتحرر الإنسان من الخوف، فإنه يستطيع أنْ يحيا بثقة، ويخطو للأمام كاسرًا كل قيود الخوف.
• ما هي الأشياء التي تخيف الإنسان؟
يخاف الإنسان أنْ يخطئ فيخسر الحياة، بعد الموت الجنة أو الفردوس، وهذا ما يجعل الإنسان في حالة من التوتر التي تفسد بدورها الحياة، فالخوف من الخطأ ما هو إلَّا خوف من المحاولة والتجريب، وبالتالي فهو يؤدي إلى جمودٍ شديدٍ، حين يخاف الإنسان لا تقوى قدميه على السير، يقف وتقف الحياة من حوله.
توجد كثير من الأشياء التي يخشى أنْ يفكِّر بها الإنسان، فقد قيل دائمًا "توجد حدود للأفكار" وهذا محض افتراء، إذ أنَّ الأفكار تتكون أساسًا في رحاب الحُرِّية، والأفكار تنمو وتتنوع حين نلقي الخوف جانبًا، والحُرِّية تعطي الإنسان الثقة فيما يقوم به حتى إذا أخطأ، فهذا جزء من الحياة.
ومن الخطايا الرهيبة المنتشرة في العالم الإيذاء الجسدي للأطفال، وهي تضر الطفل ضررًا شديدًا، إذ أنَّ الطفل ـ وهو الأجمل في تلك الحياة، حيث الحُرِّية متجسدة بأدق معانيها في حياته ـ ترتعش يداه قبل القيام بأبسط الأشياء، وحين تعاقب الطفل جسديًا، فقد قمتَ ببناء سور بينكَ وبينه، ويصبح بعد ذلك من الصعب العبور له، كما أنكَ قمتَ بتقييد بعضٍ من الحُرِّية في داخله، وتكرار فعل الضرب يخلِّق طفلًا مهزوزًا سرعان ما يتحول إلى شابٍ لديه مشاكل نفسية واجتماعية، يفقد الثقة في نفسه في مواقف اجتماعية بسيطة.
وتربية ثقافة الخوف تعطِّل نمو الحُرِّية داخل الإنسان، فيحيا مهزوز الثقة، إذ عليه دومًا مراجعة أفعاله وفقًا لمعايير لم يكن له دور في وضعها.
فحينما نضع نسقًا أخلاقيًا لأولادنا، لابد من أنْ نشرحه لهم، ولماذا يجب عليهم أنْ يتبعوا سلوكًا ما، فقناعة شخصٍ ما بما يقوم به، تجعل من القيام بذلك سلوكًا أصليًا وليس عرضيًا، والسلوك يصبح جزءًا أصيلًا من حياتنا، ومن ثمَّ تقهر الحُرِّية كل أشكال الخوف، فالإنسان الخائف هو إنسان ميت، يسير على قدميه، يأكل ويشرب وينام، فمَنْ يخلِّق الخوف في الآخرين كمعظم الأنظمة الديكتاتورية يسرِّق الحياة منهم، وتأتي لحظة ينفجر فيها الخائف، فكثير من الثورات في العالم كان أحد أسباب قيامها كسر حاجز الخوف.
أحد أهم أسباب نجاح القيِّم والمبادئ الديمقراطية في كثير من أنحاء العالم، هي بناؤها على فكرة الحق المطلق في التعبير عمَّا بداخل الفرد، وحين تستمتع بحقِّ التعبير، الاعتراض والرفض، وحين تجد رد فعل إيجابي تجاه أمرٍ، قد قمتَ بالاعتراض عليه، سوف تشعر في تلك اللحظة بأهمية ما لوجودكَ، وتلك أحد مميزات المجتمع الديمقراطي، فقط حين لا تخشى أنْ تعبِّر عن نفسكَ، سوف تتغير أشياء كثيرة داخلكَ وداخل الآخرين.