كتاب " المالية العامة " ، تأليف محمد خصاونة ، والذي صدر عن دار المناهج للنشر والتوزيع ، ومما جاء في
قراءة كتاب المالية العامة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بيت المال
بيت المال جزء من نظام المجتمع الإسلامي ودعامة قوية من دعائم حياته، فهو المكان الذي يضم الأموال المتجمعة من الزكاة والمغانم والخراج لتكون تحت يد الخليفة أو الوالي يضعها فيما أمر الله به أن توضع بما يصلح شؤون الأمة في السلم وفي الحرب. ولا يعلم على وجه التحديد اليوم الذي ولد فيه بيت المال الإسلامي، ولكننا نستطيع أن نقرر أنه لم يولد إلا بعد الهجرة، بل نستطيع أن نقول أن بيت المال ولد من غزوة بدر واستكمل وجوده في خلافة عمر حين دون الدواوين وضبط موارد بيت المال ومصارفه بعد أن اتسعت الفتوح وكثرت الأموال بفتح الشام والعراق ومصر.
وكان بيت المسلمين تموله موارد كثيرة أهمها:
1- الخراج: وهو ما يفرض على الأرض التي فتحها المسلمون عنوة أو صلحاً.
2- الجزية: وهي ما فرض من مال على رؤوس أهل الذمة الذين دخلوا في حوزة المسلمين. ولم يكن للجزية، شأنها شأن الخراج، مقدار معين من المال، فكانت تزيد وتنقص حسب الظروف والأحوال التي يراها الوالي. وقد جرى ولاة الأمصار على الرفق بأهل الذمة فيما فرض عليهم من جزية أو خراج، آخذين في هذا بسنة رسول الله r وبهدى خلفائه الراشدين. هذا وقد اقتضت سياسة الإسلام الرحيمة البارة أن يسقط ولاة المسلمين الجزية عن الذين لا يطيقونها من المرضى، والضعفاء الذين لا مورد لهم، كما أسقطوها عن الرهبان في الأديرة وأهل الصوامع، بل وان يجري على الفقير منهم من بيت مال المسلمين ما يصلح شأنه.
3- خمس الغنائم: جاءت الآيات البينات مقررة أن خمس الغنائم التي تقع في أيدي المسلمين من جيوش المشركين هو لله ورسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وأن أربعة الأخماس الباقية للمقاتلين الذين استحوذوا على تلك الغنائم.
4- عشور التجارة: من التنظيم المالي الذي اقتضته سياسة الدولة الإسلامية فرض (ضرائب) على تجارة المسلمين وأهل الذمة، وكذلك على أهل الحرب إذا مروا بتجارتهم في أرض المسلمين، ذلك أن التجارة هي مورد من موارد الرزق تثمر في ظل الدولة وفي حمايتها، فكان من المنطق أن يعود للدولة شيء مما يجنيه التجار من ربح في تجارتهم، وذلك ما تفرضه النظم المالية الحديثة باسم ضرائب الدخل والضرائب الجمركية وغيرها. وهكذا شملت هذه الضرائب المسلمين والذميين والمحاربين جميعاً. فهي على المسلمين زكاة ومن ثم فإنها تخرج مخرج الزكاة، ربع العشر إذا بلغت قيمتها مائتي درهم أو عشرين مثقالاً، فإذا كانت أقل من ذلك فلا شيء عليها. أما الذمي فإن عليه في تجارته نصف العشر من قيمتها من الحول إلى الحول. وأما المحارب فإن عليه العشر كاملاً.
5- الزكاة: واضع أن الخراج والجزية وخمس الغنائم على الوجه المعروف لم يعد لها مكان في المجتمع الإسلامي اليوم بعد أن وقفت الفتوح الإسلامية، ومن ثم انقطعت هذه الموارد عن بيت المسلمين وصفي حسابها، واستحدثت الدول الإسلامية تحت ظروف الحياة أنظمة مالية خاصة تساير تطور الزمن وحاجات المجتمع. وإذا كانت موارد بيت المال قد تقلصت اليوم بحكم أوضاع المسلمين، فإن فيها جانباً حياً لا يموت أبداً، وهو الزكاة، التي يمكن أن يمتلئ منها بيت المال لو حاسب المسلمون أنفسهم عليها وأدوا حق الله في أموالهم على ما أمر الله به.
والزكاة فريضة محكمة وركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي في لسان الشريعة صدقة تزكي النفوس وتطهرها. وقد سلك الإسلام إلى إقرار هذه الفريضة في نفوس المسلمين طريقين: طريق الترغيب في ثواب الله ورحمته بمضاعفة الحسنات –أما الطريق الثاني فطريق الترهيب من سخط الله وعذابه لمن شح بحق الله وحق العباد فيما بين يديه من فضل الله. هذا ولولي الأمر أن يلزم الناس بالزكاة وأن يفرض عليهم عمالاً يأخذونها منهم (وقد جعل الله العاملين على الزكاة أي عمالها أصحاب سهم فيها).
وتؤخذ الزكاة من كل شيء يعتبر أصلاً من أصول المنافع المتبادلة في الحياة، فمن الحيوان الإبل والبقر والغنم وما أشبهها، ومن الطعام الحنطة والزبيب والتمر ونحوها، ومن النقود الذهب والفضة ونحوهما ولكل صنف من هذه الأصناف نصاب معين إذا بلغ وحال عليه الحول في ملك صاحبه وجبت فيه الزكاة. أما الذي يخرج زكاة عن النصاب فهو من كل صنف يحسبه، فمن الحيوان تكون الزكاة عيناً من الحيوان ويجوز قيمته نقداً، ومن الطعام تكون الزكاة من الطعام ويجوز تقدير قيمته بالمال، ومن النقد تكون الزكاة نقداً. والقدر الذي يخرج زكاة من النصاب هو ربع العشر تقريباً من كل صنف، وذلك واضع من استقراء فريضة الزكاة التي بينها الرسول وعمل بها صحابته:
1- ففي الذهب والفضة مقدار الزكاة ربع العشر بالتحديد في كل عشرين ديناراً نصف دينار، وفي كل مائتي درهم خمسة دراهم، فإذا كان النصاب أقل من ذلك فلا زكاة فيها، وإن كان أكثر فبحسابه على التقدير السابق.
2- وفي الغنم يبدأ النصاب من أربعين شاة، وفي الأربعين شاة: شاة، وهو ربع العشر بالتحديد، وتجزأ الشاة عما فوق الأربعين إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت مائة وعشرين ففيها شاتان، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها ثلاث شياة، فإذا زاد عددها عن هذا ففي كل مائة شاة. وواضح أن المشرع الحكيم لم يفته أن الغنم فيها الكبير والصغير وأن الشاة المفروضة شاة كاملة النضج، ولذا جاء القياس آخذاً في الاعتبار بعد تحديد النصاب في بدئه.
3- وفي الإبل يبدأ النصاب بخمس من الإبل، وفي هذا الإبل الخمس شاة، ولو تتبعنا بحث هذه المسألة لوجدنا أن خمساً من الإبل تعادل أربعين شاة أو نحوها.