كتاب " مبادئ التنشئة الاجتماعية السياسية " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب مبادئ التنشئة الاجتماعية السياسية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المطلب الأول: مفهوم التنشئة الاجتماعية
من أجل الإحاطة بمفهوم التنشئة الاجتماعية أقتضى الأمر تقسيم المطلب إلى فقرتين أثنين تتناول تعريفات التنشئة الاجتماعية أولا، وسمات التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالتنشئة الاجتماعية السياسية ثانيا.
أولا: تعريفات التنشئة الاجتماعية
هُنالكَ آراء مختلفة حول تعريف التنشئة الاجتماعية يمكن تصنيفها إلى ما يأتي:
1. التعريفات العامة للتنشئة الاجتماعية: وهي مجموعة من المحاولات الفردية التي تحاول تعريف التنشئة الاجتماعية. ومن التعريفات العامة للتنشئة يذكر: "أن العمليات التي تحدث في حياة الوليد البشري تعمل على تحويله من طفل عديم القدرة إلى إنسان ناضج، فلا يكون هناك أي نوع من الكائنات الحيّة يمر بعملية مكثفة طويلة في النمو مثلما نرى ذلك في حياة الكائن البشري. كما إننا لا نستطيع أن نلاحظ في نمو الفصائل الحيوانية التعدد والتناقض الذي نلاحظه في نمو الإنسان، فعندما ينمو الطفل يتعلم لغة أو أكثر من اللغات، ويكتسب ثروة، وأنواع متنوعة من المساعدة والإيذاء..."([15]). هذا التحول الذي نراه في حياة الوليد البشري (يحدث نتيجة لعملية التنشئة الاجتماعية)"([16]). كما عرفت التنشئة الاجتماعية بأنها: "عملية تعلم وتعليم وتربية ونضج ونمو وارتقاء تقوم على التفاعل الاجتماعي الايجابي، وتهدف إلى إكساب الفرد طفلا فمراهقاً فراشداً فشيخاً سلوكاً وقيمّاً واتجاهات مناسبة لادوار([17]) اجتماعية معينة تُمكنهُ من مسايرة الجماعة والتوافق معها، وتكسبه الطابع الاجتماعي والثقافي، وتيسّر له سبل التكيّف([18]) والاندماج في إطار الحياة الاجتماعية، (أي أنها): عملية تحويل الفرد من كائن عضوي حيواني السلوك إلى كائن آدمي اجتماعي التصرف في وسط أفراد آخرين من البشر، ومن كائن ذي دوافع فطرية غريزية إلى كائن ذي حاجات اجتماعية، ومن كائن يعتمد كليا على والديه إلى كائن يعتمد على ذاته، فهي إذن عملية إكساب الفرد صفة الإنسانية، وجعله آدميا متوافقا مع أفراد المجموعة التي يندمج فيها ويكون عضواً من أعضائها...أنها عملية تطبيع وتطويع وتنميط للمادة الخام للطبيعة البشرية في القالب الاجتماعي واستدخال واستدماج ثقافة المجتمع في بناء شخصية الفرد وتمثله لها، وإكسابه النمط الثقافي والاتجاهات والقيم والمعايير السائدة في الجماعة والمجتمع"([19]).
يتضح مما تقدم بأن التنشئة: هي تنشئة الفرد منذ ولادته ليكون كائنا اجتماعيا وعضوا في مجتمع معين، وهي تستهدف ترويض الفرد على آداب السلوك الاجتماعي، وتعليمه لغة قومه وتراثه الثقافي والحضاري من عادات وتقاليد وسنن اجتماعية وتاريخ قومي. وقد يستعمل في أثناء التنشئة أسلوب الحزم للقضاء على ما يبدو من مقاومة لهذه المواصفات والقيم، ويتم ترسيخ قدسية الأخيرة في نفس النشئ لكي ينشأ عضواً صالحاً من أعضاء المجتمع([20]). وفي هذا الصدد قال بعض المتخصصون([21]) في أدبيات التنشئة الاجتماعية السياسية: "أن المجتمع وممثليه يستطيعون من خلال آليات التنشئة أن يكبحوا الجماح، ويعيدوا توجيه ما يعرف غالبا بنزعات الطفل الطبيعية الأكثر من ذلك فان عملية التنشئة تعمل على مساعدة الفرد في عقلنة وتبرير التضحيات التي يجب ان يقدمها لكي يصبح عضوا في المجتمع. التنشئة من هذا المنظور تدفع الفرد للانخراط في المجتمع من خلال إجباره على التخلي عن نزعاته غير الاجتماعية"([22]).
يفهم من هذا أن التنشئة تتضمن من ناحية تحديد وإلغاء بعض الخيارات السلوكية، بمعنى أن البدائل السلوكية تضيق شيئا فشيئا، ومن ناحية ثانية تجعل التنشئة الفرد اجتماعيا بفضل تطويرها وتنميتها للفرد عن طريق تزويده بالعديد من الانتماءات والعلاقات الاجتماعية([23]). وتُفهم التنشئة فضلا عن ذلك على أنها: "عملية اكتساب لقيم وعادات تعكس عمق الثقافة التي تسهم في عملية التنشئة، فالتنشئة الاجتماعية تمثل مخرجا من مخرجات الثقافة"([24]). كما أن التنشئة الاجتماعية هي: "العملية التي عن طريقها تنتقل الثقافة إلى الفرد"([25]).
كما تُعرف التنشئة على أنها: "العملية التي عن طريقها ينمي الفرد بناء الشخصية وتنتقل الثقافة من جيل إلى آخر"([26]). وهي أيضا: "عبارة عن نقل التراث الاجتماعي من جيل إلى جيل من ناحية، وبناء شخصية الفرد من ناحية أخرى"([27]). وتعني التنشئة أيضا: "تعلم الفرد لمعايير اجتماعية عن طريق مختلف مؤسسات المجتمع بحيث تساعده على ان يتعايش سلوكيا معه"([28]). وتُعرف كذلك على أنها: "عملية التفاعل الاجتماعي التي تستمر طيلة حياة الفرد، والتي عن طريقها نكتسب المعرفة، والاتجاهات، والقيّم، وأنماط السلوك الجوهرية بالنسبة للمشاركة الفعالة في المجتمع"([29]). ويمكن القول أيضا أن: "التنشئة الاجتماعية عملية طويلة وشاقة، وعلى الفرد أن يمضي في سبيله بطريقته الفريدة الخاصة به، ويكتسب صفات الشخصية أو السمات المناسبة في نظر الجماعة، ولا يعني هذا أنه يصبح نسخة طبق الأصل من توقعات أقرانه أعضاء الجماعة، فمن المستحيل نسخ هذه الخبرات والمدركات والتفسيرات الخاصة بأي فرد من أفراد الجماعة"([30]).
يتضح من التعريفات العامة للتنشئة الاجتماعية بأنها: مجموعة من المحاولات الفردية لتعريف التنشئة الاجتماعية، وأنها تُعرف التنشئة الاجتماعية على أنها: عملية تحويل الكائن البشري إلى كائن اجتماعي نافع في المجتمع عبر نقل معايير وقيم وممارسات وثقافة المجتمع إلى الجيل أو المواليد الجديدة باللجوء إلى بعض الأساليب.