كتاب " أصول العلاقات الدولية في الإسلام " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب أصول العلاقات الدولية في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أصول العلاقات الدولية في الإسلام
ثانيا:التعريف بعلم العلاقات الدولية ومضمونه
لكي نتعرف على علم العلاقات الدولية، لا بدّ من معرفة منهجه وموضوعاته، وذلك لأن "التعرف بأي علم من العلوم لا يعني أكثر من التعريف بمادة العلم، أي بالظواهر التي يتناولها وبمنهجه، أي بطبيعة العمليات الذهنية التي ينتجها الباحث سعيا وراء حقيقة تلك الظواهر" ([12]). فالعلاقات يقصد بها الروابط المختلفة، أما كلمة "الدولية" فإن أول من استخدمها، هو العالم الإنجليزي ج. بنثام (J. Bentham) في نهاية القرن الثامن عشر، ثم أعيد استخدمها من قبل الاختصاصيين الذين يدرسون الروابط العالمية من منظار قانوني بحت([13]).
أما بالنسبة للعلاقات الدولية كعلم، فقد تأسس حديثا، بعد الحرب العالمية الثانية، وقبل ذلك كان الكثير من موضوعاته إضافة إلى موضوعات أخرى، تستخدم منهج التقييم الذاتي الفلسفي المثالي على اعتباره تاريخا دبلوماسيا، ثم تاريخا للعلاقات الدولية، حتى أصبح قسما من علم السياسة الذي هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية.
وبعد ذلك أصبح علما متخصصا يتبع المنهج التجريبي في دراسة الظواهر الدولية دراسة موضوعية (تهتم بالملاحظة والإحصاء والتصنيف والترتيب والاستقراء)، وذلك من أجل نظم وقواعد ونظريات تفسر العلاقات والروابط التي تحصل بين المجتمعات البشرية والدول([14]).
يقول الباحث المشهور في علم العلاقات الدولية، كارل د.دويتش: "إن مقدمة لدراسة العلاقات الدولية في عصرنا هي مقدمة لفن وعلم بقاء النوع البشري على قيد الحياة، فإذا قتلت الحضارة خلال السنوات الثلاثين التالية، فلن تقتلها المجاعة أو الوباء، وإنما تقتلها السياسة الخارجية والعلاقات الدولية. نستطيع مكافحة الجوع والوباء، ولكن لم تستطع بعد، أن نعمل شيئا بالنسبة إلى قوة أسلحتنا وإلى سلوكنا باعتبار أننا دول قومية" ([15]) (2).
فعلم العلاقات الدولية هو الذي يدرس العلاقات التي تحدث بين الدول، مما يعني أن الموضوعات التي تدخل فيه تشمل الاقتصاد والثقافة والعلاقات السياسية. وبطبيعة الحال، فإن هذه العلاقات تخضع للتطور والتغيير. فكل ما له صلة بعلاقات دولة وعدة دول فيما بينها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية يمكن أن يدخلها فيها حتى إن أحد العلماء قد وصف العلاقات الدولية بأنها: "ربما ترى كعلاقات واقعية تأخذ مكانها عبر الحدود القومية" ([16]). أي بمعنى كل ما له صلة بالعلاقات بين الجماعات من جانبي الحدود القومية أو الوطنية. فهذا التعريف شامل ومتسع، فلا يحدد موضوعات العلاقات الرسمية بين الدول والحكومات، ولا يحصر تلك الموضوعات بسب كثرتها، وكذلك لا يمكن الجزم بأن عدد من الموضوعات لا تدخل فيها. وأيضا فإن العلاقات الدولية لو اعتبرت علاقات عبر الحدود القومية فلن تغطي كل الظواهر التي سوف تتأتى من داخل الدولة([17]).
كذلك، فإن منهج العلاقات الدولية لا يعتمد على دراسة العلاقة بيد دولتين فقط، لأنه من الصعوبة بمكان استخراج قاعدة أو نظرية عامة من قاعدة ضيقة طرفاها دولتان، لأنه سيتم الوصول إلى مجموعة من البيانات غير الكافية. فالعلاقات الدولية تشير إلى كل أنواع الروابط والمبادلات التي تتم خارج حدود دولة واحدة. هذا كله لا يتفق مع طبيعته كعلم لأنه بهذه الكيفية يعود إلى سابق ماضيه وبداياته الأولى، رغم تطوره ونموه واختلافه في منهجه وموضوعاته التي تبدو واضحة في مصادره ومراجعه وأبحاثه.
فعلم العلاقات الدولية يستعين بعدد كبير من الموضوعات والعلوم الأخرى كالرياضيات والإعلام والإحصاء والكمبيوتر. فهذا العلم يستفيد من المعلومات التي يوفرها علماء الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ والجغرافيا.
وبالنتيجة فقد ظهر الاختلاف فيما بين الباحثين والدارسين والعلماء اللذين تخصصوا في علم العلاقات الدولية حول مادة العلاقات الدولية([18])؛ فهل تتناول دراسة كل أنواع الصلات التي تربط مختلف الدول أم أنها تشمل أنواعا معينة؟ فالبعض يرى أن قوام مادة العلاقات الدولية هو السياسة؛ كل ما له تأثير مباشر في السياسة يدخل في نطاق دراسة هذه المادة، فمثلا فإن المباراة الرياضية أو الصفقة التجارية إذا كان لأي منها أثر سياسي مباشر فيعتبر من صميم العلاقات الدولية. وبالنتيجة فهم يطالبون بتسمية هذه المادة بـ "العلاقات السياسية الدولية". أما بالنسبة لبعض العلماء والدارسين الآخرين، فإنهم يقولون إن المعيار في تحديد ما يدخل في نطاق دراسة هذه المادة هو مدى أثر العلاقة أو الرابطة في المجتمع الدولي بأكمله. فالعلاقة التي يكون لها أثر في المجتمع الدولي عامة تدخل في دائرة هذه الدراسة.
ووفقا لهذا الرأي، فإن دراسة العلاقات الدولية تشمل دراسة كل الاتصالات التي تتعلق بالدول أو الشعوب أو السلع أو الأفكار شريطة تعديها وتجاوزها الحدود، ويكون لها تأثير في المجتمع الدولي بأسره، علما بأن المجتمع الدولي يختلف في بنيته عن المجتمع الوطني بعدم اكتماله وفوضاه وعدم تلاحمه؛ فالسلطة في المجتمع الدولي غير محددة، وغير مقيدة، وفي أحيان كثيرة عنيفة، عندما تستخدم القوة لتحقيق مصالحها([19])، والتي تتعارض في كثير من الأحيان مع مصالح الدول والجماعات البشرية الأخرى.
ومن ناحية أخرى، يقول كتاب وعلماء علم العلاقات الدولية إن هذا العلم مر بثلاث مراحل([20]) وهي: الوصف والتصنيف والتفسير.
ومن خلال معرفة الانتظام الخاص بالظواهر يتم استخراج القوانين العامة التي تحكم وتفسر هذه الظواهر، وتعطي القدرة على التنبؤ فيها بدرجة معينة من النسبية لا تتصف بالصدق المطلق، لأن طبيعة العلاقات الدولية لا تقبل فكرة القانون العلمي بمفهومه التقليدي (أي مفهوم الحتمية السببية)، "وإنما أقصى ما نستطيع تبنيه عن طريق الملاحظة بالإحصاء والمقارنة بتحليل الشبه والخلاف، هو ما إذا كان ثمة علاقات توافق أو ترابط بين ظواهر دولية معينة أم لا؟ وذلك بالمفهوم الرياضي للحتمية في المعنى المتقدم" ([21]). فكما يستشهد الباحث محمود حسن أحمد برأي العالم كونسي رايت (Qincy Wright) فإن النظرية العامة للعلاقات الدولية تعني الشيء الشامل المترابط والذي يمكن بواسطته فهم عمليات التوقع والتطوير في ضبط العلاقات وفهم الظروف الدولية. علما بأن البعض يعتقد أن علم العلاقات الدولية مجاله العلاقة ما بين الدول ذات السيادة فقط([22]).
ولكن الرأي الراجح ما بين باحثي وعلماء العلاقات الدولية، قد وصل إلى عدم اقتصار ميدان علم العلاقات الدولية على العلاقات التي تتم بين الدول وحدها، بل تم توسعته ليشمل الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والقارية، والمتغيرات والعوامل والكيانات التي تؤثر على صنع أو اتخاذ القرار في داخل الدولة. وهذا يضم نوعين من العلاقات؛ أحدهما سلمي يقوم به الدبلوماسيون، والآخر حربي يقوم به العسكريون، وبالنتيجة تكون العلاقات الدولية وسيلتي تنفيذ أو تطبيق. وبهذا الخصوص يقول الباحث دانيل كولار: "إن دراسة العلاقات الدولية تضم العلاقات السلمية أو العدوانية بين الدول، ودور المنظمات الدولية، وتأثير القوى الوطنية، ومجموع المبادلات والنشاطات التي تخترق الحدود الدولية".
وتقتصر الدراسة العلمية في العلاقات الدولية على امتحان ظواهر العالمية، بشكل عام وإيضاح علاقات السببية، والعوامل التي تحدد تطورها، ومحاولة تكوين نظرية ملموسة حولها، أي بعبارة أخرى، إن المقصود هو إقامة قواعد أو ضوابط أو شرائح بالمعنى الذي أعطاه مونتسكيو Montesquieu)) أي علاقات ضرورية نابعة من طبيعة الأشياء" ([23]).
أما العالم كونسي رايت (Qincy Wright) فيقول: "إن العلاقات الدولية تتضمن العلاقات بين كيانات متعددة...والمرء في العلاقات الدولية يبحث دور المنظمات والدساتير والجماعات كالأحزاب السياسية والأقليات العرقية والصحافة والجماعات الاقتصادية" ([24]).
وبخصوص الجانب الرسمي الأممي، فقد تضمنت تقارير المؤتمرات العلمية التي نظمتها هيئة اليونسكو لبحث موضوع العلوم السياسية، أن مادة العلاقات الدولية تتضمن ثلاث مواد فرعية ولكنها متصلة، وهي، كما يلي([25]):
1- السياسة الدولية؛ تتناول دراسة السياسات الخارجية للدول وتفاعل تلك السياسات بعضها ببعض.
2- التنظيم الدولي؛ يتضمن دراسة أهم المنظمات الدولية العالمية مثل الأمم المتحدة، أو الإقليمية مثل جامعة الدول العربية أو الفنية مثل هيئة العمل الدولية.
3- القانون الدولي؛ يتناول دراسة القواعد القانونية التي تنظم علاقات الدول مع بعضها البعض وعلاقاتها بالتنظيمات الدولية.
فنحن نقر ما جاء في مؤتمرات اليونسكو، على الرغم من أن هذا التعريف يميل إلى التعميم والشمول بسبب فضفاضيته وسعته من جانب، ووجود تصور حديث يدعو إلى ضرورة الاهتمام بتاريخ العلاقات بين الشعوب بدلا من البحث عنها في تاريخ العلاقات بين الحكومات.
وبناء على ما سبق، يمكن القول بأن علم العلاقات الدولية هو علم يفسر الواقع الدولي، على اعتبار أن التفسير يكشف عن خواص الظواهر ذاتها وفي علاقاتها بغيرها من ظواهر الواقع، ومن ثم الكشف عن القوانين التي تحكم هذه العلاقات ثم محاولة التنبؤ اعتمادا عليها. وبمعنى آخر، فإن علم العلاقات الدولية يلاحظ الواقع الدولي ويقوم بإجراء المقارنات باستخدام الطرق الإحصائية في جميع لظواهر الدولية وتصنيفها، وذلك بوضع المتجانسات مع بعضها البعض وحسب تنوعها وإبعاد المختلفات (المتباينات) عنها.