كتاب " أصول العلاقات الدولية في الإسلام " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب أصول العلاقات الدولية في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

أصول العلاقات الدولية في الإسلام
خامسا: أطراف وعوامل العلاقات الدولية
أ- أطراف العلاقات الدولية: يقصد بأطراف العلاقات الدولية كل سلطة أو هيئة أو جماعة أو حتى فرد من الممكن أن يلعب دورا على المسرح الدولي. وكما هو الحال بالنسبة لتعريف العلاقات الدولية فإنه لا يوجد اتفاق واضح حول عدد هذه الأطراف، مع أن البعض يرى أن الدولة تمثل الطرف الوحيد في العلاقات الدولية.
وفي المقابل، فإن هناك رأيا أخر، يرى أنه يمكن توسيع هذا التصنيف ليشمل أطرافا أخرى مثل المنظمات الدولية والتجمعات الخاصة ذات البعد العالمي. ويضم فريق ثالث منظمات التحرير الوطني. وذهب فريق رابع إلى حد إشراك الفرد بمعاملته كطرف أساسي من أطراف النظام الدولي. أما بعض المفكرين والكتاب، فإنهم يقسمون أطراف العلاقات الدولية إلى أطراف أساسية أو رئيسة وهي الدول، وأطراف ثانوية تشمل الأطراف الأخرى، وهو الرأي الغالب. علما بأن الدول ليست كلها بنفس الأهمية. فالدول ذات النفوذ والسلطة يجب اعتبارها أطرافا رئيسية، أما بقية الدول فتعد مجرد أطراف ثانوية كبقية أطراف العلاقات الدولية الأخرى([48]).
وواقعيا، يمكن القول إن المجتمع الدولي يضم أطرافا متنوعة ولكن ليس لها نفس الأهمية والتأثير ولا نفس المركز القانوني. فهذا النظام الدولي، يزداد اكتظاظا وحركة يوما بعد يوم نتيجة الثروة المستمرة في نسقي الاتصالات والمواصلات، "والتي تؤدي دائما إلى توسيع شبكة الاعتماد المتبادل في النظام العالمي وتكثيفها...وقد نتج هذا الوضع عن ازدياد قنوات التفاعل وتنوعها بين المجتمعات الوطنية" ([49]). وذلك لأن ازدياد الانصهار في النظام العالمي يفرض حقيقة أساسية على جميع الدول والأطراف الأخرى تتمثل في عدم قدرة هذه الأطراف على منع انكشافها لمحيطها الخارجي.
ومهما يكن الأمر، فإن أهم الأطراف الدولية هي الدول، والمنظمات الدولية، ومنظمات التحرير الوطني، والقوى عبر الوطنية (الاقتصادية، السياسية، الدينية، النقابية...) ومع أن المجال لا يتسع للحديث عنها، ولكن لا بد من إيجاز مختصر بسيط.
مما لا شك فيه أن الدول تحتل الطرف الأقدم والأهم في العلاقات الدولية باعتبارها تشكل الخلية الأساسية للمجتمع الدولي المعاصر، حتى إن بعض الفقهاء الدوليين أطلقوا عليها الشخص النموذج أو الشخص الكامل أو الشخص المتميز نتيجة لأهميتها وتمايزها عن بقية أطراف العلاقات الدولية. وتهتم العلاقات الدولية بدراسة فعالية هذه الدولة، بمعنى علاقاتها مع دول العالم الأخرى، وكذلك مع الأطراف الدولية الثانوية. فمادة العلاقات الدولية تبحث في مجالات متعددة إضافة إلى الجوانب القانونية للدولة ووظائف ودور الدول وتصنيفاتها والتشابه والاختلاف في أنظمتها السياسية، والعوامل التي تؤثر على علاقاتها مع بعضها البعض.
تعد الدولة هي الأصل أو الأساس في العلاقات الدولية لعدة أسباب؛ وعلى رأسها مكانتها السامية لدى المواطنين الذين يشعرون بالولاء والانتماء لها، وكذلك بما يوجد لديها من سلطة سياسية وأجهزة تنفيذية وقضائية وتشريعية([50]). ويقول دانيال كولار: "بعد أربعة قرون من ولادتها، لا تزال الدولة تشكل البنية الأساسية للمجتمع الدولي. فالعالم "دول" ومقسم إلى وحدات دولية. وهذه الدول تختلف عن بعضها البعض في حجمها، وقوتها، ونظامها السياسي، وشكلها القانوني. ومع ذلك، فإنها تمتلك جميعا نفس العناصر التكوينية، وتقيم علاقاتها على أساس مبادئ سياسية مشتركة، الأمر الذي لا يمنعها من تأليف عدد معين من "المحاور" ([51]).
أما بالنسبة للمنظمات الدولية، فإنه منذ القرن التاسع عشر، قد نافست الدول في ظهورها ونموها، فلم تعد الدول تحتكر العلاقات الدولية باعتبارها ركنا أساسيا، وباقي الأطراف أركانا ثانوية. وكما كان الحال بالنسبة للدولة، فإنه لا يوجد اتفاق ما بين الدارسين والفقهاء على تعريف جامع متكامل للمنظمة الدولية؛ فقد عرفها محمد حافظ غانم على أنها: "هيئات تنشئها مجموعات من الدول بإرادتها للإشراف على شأن من شؤونها المشتركة، وتمنحها اختصاصات ذاتية تباشرها هذه الهيئات في المجتمع الدولي وفي مواجهة الأعضاء أنفسهم" ([52]). أما علي صادق أبو هيف، فيرى بأنها: "تلك المؤسسات المختلفة التي إنشائها مجموعة من الدول على وجه الدوام للاضطلاع بشأن من الشؤون الدولية العامة المشتركة" ([53]). ويعرفها كارل دوتيش، بأنها "عدد قليل من الدول يجمع بينها بعض الروابط الجغرافية والثقافية والتاريخية، أو تربطها بعض العلاقات الاقتصادية والمالية أو تجمعها مبادئ الحرية السياسية وما أشبه ذلك من الأنظمة الاجتماعية، أو مزيج من كل هذا" ([54]).
أما بالنسبة لمنظمات أو حركات التحرير الوطني والتي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية قد ظهرت أولا في القارة الأفريقية ثم آسيا ومن ثم أمريكا الجنوبية. وقد كان الهدف الأساسي والأصلي من ظهور هذه الحركات هو الكفاح ضد الاستعمار، ومن ثم فقد اتسع الهدف ليشمل الكفاح ضد الأنظمة العنصرية وضد السيطرة الأجنبية. وكانت الجزائر أول دولة تشهد ميلاد حركة تحرر وطني (1 نوفمبر 1954)([55]).
أما بالنسبة للطرف الرابع، فهو القوى عبر الوطنية التي تلعب دورا فاعلا على المسرح الدولي، أمثال المنظمات غير الحكومية، وكذلك بعض هذه القوى يفضل ممارسة نشاطه بحرية أكبر من وراء الستار مثل الشركات متعددة الجنسية. وهذه المنظمات غير الحكومية لا تتكون من دول وإنما من جمعيات أو اتحادات تتشكل عفويا وبشكل حر من قبل أفراد لتعبر عن تضامن عبر وطني وبدون غاية تحقيق الربح المادي ولا تتمتع بالشخصية القانونية الدولية. وتعد هذه الظاهرة قديمة، ولكنها اتسعت كثيرا مع نمو المواصلات الحديثة. وتشمل المنظمات غير الحكومية كل قطاعات النشاط الاجتماعي؛ سياسي، قانوني، اجتماعي، ثقافي، علمي، تقني، صحي، ديني، رياضي، سياحي([56]).
ب- العوامل المؤثرة في العلاقات الدولية: يكاد يتفق كتاب القانون الدولي العام والعلوم السياسية على عدد من العوامل التي تؤثر في العلاقات الدولية، باعتبارها من أهم العوامل التي تؤثر على سير المجتمع الدولي وتحكم تصرفات أطرفه المختلفة. وكذلك، فإنه يكاد يتفق معظم الباحثين والكتاب وعلماء العلاقات الدولية على أهمية العوامل التالية([57]): العوامل الجغرافية والاقتصادية والسكانية والعلمية والتقنية والإيديولوجية. وبعض الكتاب من يضيف عوامل أخرى مثل شخصية أو دور رجل الدولة، والعوامل القانونية. وهناك من الباحثين من يصفها بأنها عوامل مادية وعوامل غير مادية، مع وجود التداخل بينهما الذي يصعب انفكاكه.
وليس من السهولة بمكان إعطاء أي عامل من هذه العوامل دورا حاسما أو كبيرا في التأثير على سياسات الدول وعلاقاتها مع بعضها البعض. مع أن البعض يعطي أهمية ودورا خاصا للعوامل الجغرافية والإيديولوجية، والبعض الآخر يعطي أهمية خاصة للعوامل الاقتصادية، والبعض الثالث يحاول أن يعطي أهمية نسبية لكل عامل من هذه العوامل. علما بأن هذه العوامل مترابطة مع بعضها البعض، فلا قيمة لموارد طبيعية لا تملك الدولة القدرة على استغلالها ولا قيمة لعدد كبير من السكان أغلبه جائع وأمي.
ومن ناحية أخرى، فإن أهمية كل عامل من هذه العوامل تتغير وتختلف باختلاف العصور والأزمان بحيث تقل وتزداد انعكاساتها على المجتمعات حسب طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية السائدة في المجتمع. وكذلك، فإن أي من هذه العوامل لا يؤكد قدرة الدولة بطريقة آلية وإنما لا بد لها من محرك إرادي، "لا بد لها من نظم اجتماعية واعية بها ومصممة على تحريكها، بالإرادة والعلم"؛ فقد يتوفر لدولة ما موقع جغرافي هو في ذاته عامل من عوامل القوة، ولكن تعجز القيادة السياسية عن الاستفادة الفعلية منه([58]).