كتاب " تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن " ، تأليف د.
أنت هنا
قراءة كتاب تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تحولات الدرس الأدبي المقارن في الأردن
وقد كتب الموسى نفسه دراسة بالعربية عن هذا المصطلح المهم عنوانها (رواية تكوين الشخصية: دراسة مقارنة) ماثلت في هدفها الدراسة المذكورة، ولكن على مستوى أوسع، حيث تتبع نماذج رئيسية لرواية تكوين الشخصية في الآداب (الألمانية، والفرنسية، والإنجليزية) في محاولة لكشف طريقة بناء الشخصية وتحولاتها في سياق الأحداث الكلية للرواية، وداخل أطرها الزمانية والمكانية، وهو ما تحقق للموسى عبر جهد نقدي تحليلي يؤكد أن الدراسة المقارنة لا تعني الاكتفاء بالتتبع الأفقي المحايد للظاهرة الأدبية، إنما هي قدرة الناقد على النفاد إلى أعماق العمل الأدبي، واستنطاق مكوناته من اجل الوصول إلى نتائج تحليلية ونقدية جديدة. إذ إنّ "الدراسة المقارنة كشف النقاب عن مواطن شبه جوهرية سواء من الناحية الثماتية أو البنيوية بين (رواية تكوين الشخصية) بهويتها الألمانية، وروايات إنجليزية وفرنسية تدور الأحداث فيها حول تتبع مراحل التطور الداخلي لبطل شاب، ووصف كفاحه من أجل تحقيق الذات.."(11).
وإذا انتقلنا إلى نماذج من الدرس المسرحي في حركة الأدب المقارن في الأردن، فيمكن القول بأن الجهود النقدية في هذا المجال أقل من سابقيها (مجال الشعر، ومجال الرواية) وبطبيعة الحال فإن أسباب ذلك تتعلق بتذبذب انتماء المسرح كجنس إبداعي، فهو تارة مصنّف في دائرة الأدب، وطوراً ينتسب إلى الفنون، فضلاً من أنّ الإبداع المسرحي العربي ذاته قليل نسبياً إذا ما قيس إلى حجم الإبداع في مجالي الشعر والرواية. وعلى أية حال فإن الأعمال الأردنية المقارنة في مجال المسرح موجودة، يمكن التمثيل بما كتبه نضال الموسى نفسه عن (دراسة صورة فاوست في مسرحية حامد إبراهيم: فاوست الجديد ومسرحية محمد سالم: عقد مع الشيطان، في ضوء الأدب المقارن) 1998م التي يهدف بها إلى دراسة صورة فاوست في الأدب العربي عند هذين المؤلفين في عملين مسرحيين، "ونظراً لتأثر الكاتبين بالتصوير الدرامي لقصة حياة فاوست في الأدب الأوروبي، فإن البحث يعرض في البداية الملامح الرئيسية لأسطورة فاوست... ويمهد لعقد مقارنات بين المسرحيات الأوروبية من جانب، ومسرحيتي (فاوست الجديد) و (عقد مع الشيطان) من جانب آخر، مما يسهم بالطبع في تفهّم أعمق لطبيعة الأحداث، وكذلك في الكشف عن مواطن الأصالة في كل من المسرحيتين العربيتين"(12). وقد استطاع الموسى توضيح التقاطعات الفكرية لدى كل من المؤلفين العربيين مع مضمون الأسطورة وتجلياتها، بالإضافة إلى الوقوف عند الجوانب الفنية للمعالجة الدرامية عندهما، وهو أمر يخرج الدراسة المقارنة من قمقمها التاريخي - كما أشرت سابقاً، ويفتح لها المجال واسعاً لتغدو عملاً نقدياً في المقام الأول، لذا وجدنا الباحث يعالج أموراً كثيرة ذات علاقة بالأسلوب البلاغي، وأجواء السخرية، والإسقاط التاريخي والواقعي، واللغة الإيمانية عن المعاناة الإنسانية، والجانب التصويري الهزلي وغير ذلك. وفي جانب المقارنات المسرحية أشير أيضاً إلى جهد سابق لجهد نضال الموسى، ولكنه أميل إلى التعليمية والأكاديمية، وهو جهد تطبيقي (عبد الرحمن ياغي) المعنون بـِ (في الجهود المسرحية: الإغريقية، الأوروبية، العربية) 1987م، الذي يشدد فيه على تأثر الحكيم بالمسرح الأوروبي، ولا سيما أنه (أي توفيق الحكيم) أقام في فرنسا، واطَّلع على مسرحها وثقافتها عن كثب، يقول ياغي: "بهذا القلب المنفعل أقبلالحكيم على باريس.. وبهذه الأذرع المنفتحة أقبلت باريس على الحكيم، وقد كانت الحركة المسرحية، بل الحركة الفنية قد بلغت ذروتها في مرحلة وجود الحكيم في فرنسا"(13). وتجدر الإشارة إلى أن دراسة ياغي تتركز قيمتها في تبيين مصادر الحكيم ومساراته بينها، والتأريخ لهذا المسارات، ولم يكن معنياً بالنقد والتحليل في مقارناته.
أما المحور الثالث للجهود النقدية في الأردن، فهو محور المقارنات الأدبية في تحولاتها الحالية، في ظل ما بعد الحداثة والعولمة ومجتمع المعرفة، والتواصل الإلكتروني، وسيادة النص المتشعب، ودراسات الترجمة، والنقد الثقافي، والحركات النسوية، وأدب ما بعد الكولونيالية وغير ذلك.
والملاحظ أن حركة النقد الأدبي عامة في الأردن، وحركة النقد المقارن لا تزال عند مداخل هذه المرحلة، ولما تتعمقها بعد، وربما كان الاسم الأبرز في هذه المرحلة نفسها، هو الشاعر والأكاديمي والناقد (عزالدين المناصرة)، نموذج الدراسة في هذا البحث. ومع ذلك فإن دراسات الناقد والمترجم فخري صالح تمثل إطلالة مهمة في هذا السياق، ولا سيما اهتماماته بإدوارد سعيد وكتاباته عن الثقافة، الإمبريالية، والاستشراق وغيرها.
أمّا (عزالدين المناصرة) فقد استطاع أن يتحول بالدرس الأدبي المقارن إلى وجهات جديدة، ومفاهيم جديدة أيضاً، أسمّي هذه المرحلة بمرحلة (المقارنين الجدد) إنْ صح هذا المصطلح. (فالمقارنون الجدد) وفي طليعتهم المناصرة هم من يبحثون عن ميادين جديدة، للدراسات المقارنة، ويؤسسون، بناء على ذلك، مفاهيم ومصطلحات جديدة أيضاً، وسيوضح البحث الحالي دور عزالدين المناصرة في تحقيق ذلك، وتأسيس هذه المرحلة الجديدة (مقارنات ما بعد الحداثة والعولمة) في حركة النقد الأدبي المقارن في الأردن، خصوصاً منذ كتابه (1988م)، أمّا (أقدم) دراسات (المناصرة) في مجال الأدب المقارن، فهي دراسته: (بيجماليون بين توفيق الحكيم وبرنارد شو) المنشورة (عام 1975م) في مجلة (الثقافة العربية) في بيروت، والتي سبق أن أنجزها عام (1969م)، تحت إشراف: الدكتور محمود الربيعي (جامعة القاهرة)، عندما تخصص (المناصرة) في الأدب المقارن.