أنت هنا

قراءة كتاب ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

ذات النحيين الأمثال الجاهلية بين الطقس والأسطورة

يشدد الشاعر الفلسطيني زكريا محمد في كتابه "ذات النحيين..

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
حسن، لكن هذا يظل بلا معنى أيضا. فالخمرة شراب، ونحن مع (مطاعيم) نتحدث عن طعام لا عن شراب!
 
ليس تماما. فجذر (طعم) يتعلق بالشراب أيضا. فقد جاء في القرآن الكريم: ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﴾ [البقرة:249]. ويخبرنا اللغويون أن جملة (لم يطعمه) هنا تعني: (لم يَذُقْه)(9). يضيف اللسان تعليقا على الآية: (يقال: طَعِمَ فلان الطعام يَطْعَمه طَعْماً إذا أَكله بمُقَدَّمِ فيه ولم يسرِف فيه، وطَعِمَ منه إذا ذاقَ منه. وإذا جعلتَه بمعنى الذَّوْقِ جاز فيما يُؤْكل ويُشْرَبُ)(10). عليه، فجملة (ومن لم يطعمه) تعني: من لم يذقه، أي من لم يشربه إلا قليلا. بل إننا نعتقد أن جملة (من لم يطعمه) تعني من لم يشربه، لا من لم يذقه ذوقا فقط. ذلك أن الآية كما هو واضح تساوي بين كلمتي (شرب) و (طعم) في المعنى: ﴿ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾. وهذا يعني مباشرة: من شرب فليس مني، ومن لم يشرب فإنه مني. ولو أن الآية أرادت الذوق فقط، أي الشرب القليل، لقالت: فمن شرِب منه فليس مِني ومن طعمه، أي تذوقه، فإنه مني. فوق هذا، فقد أكملت الآية وجعلت التذوق، أي الأخذ القليل، مسموحا به حين قالت: ﴿ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﴾. والغرف باليد هو غرف التذوق، أما الطعم فهو الشرب.
 
ومن هذا كذلك: (حديث أَبي هريرة في الكلاب: إذا وردن الحَكَرَ الصغير فلا تطعمه؛ أَي لا تشربه)(11). أي أن تطعم تعني: تشرب، بلا نقصان ولا زيادة! وهناك إضافة إلى هذا ما جاء في سورة المائدة في سياق الحديث عن الخمر: ﴿ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﴾ [المائدة:92]. وبغض النظر عن اختلافات المفسرين حول حكم الخمر في الآية، فالغالبية هنا على أن طعموا تعني: شربوا.
 
إذن، فـ (مطاعيم الريح) قد تعني: (شاربي الخمر). بل إنها تعني ذلك بالضبط. عليه، فالمثل يعني: (ألزم للشيء من شريبي الخمرة)، أو (أشد إدمانا من شريبي الخمرة)، أو (أدمن من شريبي الخمرة)، أو (أدمن من ذواقي الخمر)، أو (أكثر رجوعا للشيء من مدمني الخمرة)، بناء على أن القروى هي الطريقة المعتادة. فمدمنو الخمرة يعودون إليها عودا دائما. أي أن (مطعم الريح) هو (نديم الشراب)، كما يقول التعبير العربي. من أجل هذا تبدى أبو محجن كمدمن خمر لا يرعوي. وعلى الأرجح فقد كان عمه، كمطعم ريح، كذلك أيضا.
 
بناء على هذا، يكون سوء تفسير المثل نبع من افتراض معاني ليست صالحة لكلماته الثلاث: فقد أخذت (أقرى) على أنها من القِرى، الطعام، أي على أنها اسم تفضيل يعني: أكثر إطعاما، في حين أنها تعني ألزم. وأخذت (مطاعيم) على أنها جمع مُطعِم، من دون الانتباه إلى أنها قد تعني الشارب أو المتذوق. في حين أن الريح قرئت بكسر الراء لا بفتحها، أي فهمت على أنها الهواء لا الخمرة. وهكذا وصلنا إلى التفسير السائد الخاطئ للمثل. وقد تم تثبيت هذا الفهم الخاطئ عن طريق ربط لبيد العامري بمطاعيم الريح. فلو لم يدخل في حلقتهم ربما كنا تجنبنا سوء فهم المثل، الذي أدى إلى خلط الخمرة بريح الصبا.

الصفحات