كتاب " بيع الأوطان بالمزاد العلني " ، تأليف د. عبدالله الصالح العثيمين ، والذي صدر عن
قراءة كتاب بيع الأوطان بالمزاد العلني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في الحملة الانتخابية التي أتت بأوباما إلى سُدَّة الحكم الأميركية كان من الوعود التي وعد بها إغلاق معتقل جوانتانامو.. رمز الغطرسة والهمجية وانتهاك حقوق الإنسان التي يتشدَّق بها الأميركيون في كل مكان، والوعد بأن ينال من ارتكبوا جرائم التعذيب ما يستحقونه من عقاب. أما الوعد بإغلاق ذلك المعتقل.. الخزي.. فقد يحدث، والله أعلم بمصير من عانوا - وما زالوا يعانون - فيه من ظلم وتعذيب طوال السنوات الماضية. كيف سيكون ذلك المصير؟ هل سيكفِّر من ظلموهم عن سيئاتهم بتعويضهم عما ارتُكِب ضدهم من جرائم؟ وأما الوعد بمعاقبة من ارتكبوا الجرائم البشعة بحق الآخرين المظلومين فوعد لا يختلف عن مواعيد عرقوب.
وماذا عن أفغانستان وإدارة الرئيس الأميركي المنتظر خطابه؟ لندع قَضيَّة ارتكاب جريمة احتلال ذلك البلد بزعامة أميركا ومن اتَّبعها من الغاوين في الغرب والشرق أجمعين. ففي زمان العجائب لم يعد احتلال غير المسلمين لبلاد المسلمين ممقوتاً؛ بل كاد يصبح تنافس الزعامات المسلمة على إنشاء قواعد عسكرية للمحتل الأجنبي أمراً يثير الإعجاب لا العجب. لكن ماذا عن الجرائم المرتكبة من قِبَل القوات المحتلة لأفغانستان ضد المدنيين؟ هل تَوقَّفت في عهد الرئاسة الأميركية الجديدة؟ حتى الرئيس الأفغاني، الذي لولا وجود المحتل لما بقي في الرئاسة ساعة من نهار، كان ممن اشتكى من قصف المحتلين بزعامة الأميركيين لأولئك المدنيين.
وماذا عن باكستان؟ وما أدراك ما باكستان؟ لقد آن الأوان لدى السادة الأميركان أن تتحطَّم تلك الدولة كما حُطِّمت العراق وإن اختلفت طريقة التحطيم. زعامة ذلك البلد - أرشدها الله إلى العمل لمصلحة بلدها - احتجَّت على ما ترتكبه القوات الجوية الأميركية من قصف للمدنيين من أهلها منتهكة سيادتها. وكان أن توصلت إلى صلح مع الفئة المُسمَّاة بطالبان باكستان من بين بنوده وقف المواجهة، والسماح بتطبيق الشريعة في الجهات التي تسيطر عليها تلك الجهة. وبغض النظر عن تحديد من هم على صواب ومن هم على خطأ فإن سادة أميركا لا يمكن أن يقبلوا شيئاً اسمه الشريعة الإسلامية؛ وبخاصة في تلك المنطقة من العالم، حيث يعني ذلك - فيما يعني - رفض المهادنة مع أعداء المسلمين. فكان أن أجبرت الزعامة الباكستانية على الإقـدام على ما أقـدمت عليه، وظهر من نتائـج ذلك ما ظهر من العواقب والنذر. والتحطيم جار، وإن سالت من الدماء أنهار.
وبالعودة إلى قَضيَّة فلسطين، التي ما زالت قَضيَّة أُمَّتنا الأساسية - وإن لم تَعُد عند بعض زعماء هذه الأُمة كما كانت - هل تَغيَّر موقف الرئاسة الأميركية الجديدة حتى الآن من هذه القَضيَّة؟ الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة الإسرائيلية دعوة كان آخر من دعا إليها من رؤساء أميركا السابقين الرئيس بوش الابن رغم أن إدارته كانت أسوأ إدارة بالنسبة لأُمَّتنا؛ عربيـة وإسلامية. بل كانت تلك الإدارة أُمَّ البلاوي. والدولة المبهمة المُنادَى بقيامها لا يمكن أن تُفسَّر إلا وفق ما ورد في اتِّفاقية أوسلو، ونُفِّذ على أرض الواقع؛ مُجرَّد كانتونات مَهمتها الأَساسية أن تكون حارسة للكيان الصهيوني المحتل ضد أَيِّ مقاومـة للاحتلال. أما المطالبة بإيقاف بناء المستوطنات، أو البؤر الاستعمارية، فمطالبة سبق أن أبداها رؤساء أميركيون سابقون. لكن هل تَوقَّف البناء؟ أما المطالبة بإزالة ما بُنيَ من بؤر استعمارية في الأرض المحتلة عام 1967م فأمر لم يف به من سبق أولئك الرؤساء. ومن شبه المؤكد أن الرئيس الجديد لا يريد، أو لا يستطيع، أن يكون بدعاً بينهم. وماذا عن تهويد القدس؟ الجميع صُمٌّ بُكْمٌ عُمْي. والصَّمم والبُكْم والعَمَى أعراض انتقلت عدواها - مع الأسف الشديد - إلى أكثر زعماء أُمَّتنا. أما حق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم المحتل فَتحوَّل بقدرة صهيونية مدعومة بالتصهين إلى حق لكل من قال: إنه يهودي أن يأتي للمشاركة باحتلال أرض فلسطين وقهر أهلها لتكون صافية العرقية.
لا أظن الخطاب المنتظر المتلهَّف إلى يومه المنتظر سَيتضمَّن المطالبة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة لا بالنسبة لإنهاء احتلال الصهيوني للأراضي المحتلة عام 1967م؛ بما فيها القدس، ولا بإزالة المستعمرات، أو المستوطنات، منهـا، ولا بالنسبة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عما فقدوه. على أن أُمَّتنا، الفاقدة الإرادة؛ زعاماتٍ وشعوباً، سَيتَّضح أنها سترضى بكلام مسموع لا يُسمن ولا يُغني من جوع. لقد أصبحت مثل أُم الحُلَيْس التي عَبَّر عن قناعتها بالشيء القليل ذلك الناظم الذي قال عنها:
أُم الحُـلَيْس لَعجـوزٌ شَهْـرَبَـه
تَرضى من اللَّحمِ بِعظْم الرَّقَـبَه