قراءة كتاب بيع الأوطان بالمزاد العلني

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بيع الأوطان بالمزاد العلني

بيع الأوطان بالمزاد العلني

كتاب " بيع الأوطان بالمزاد العلني " ، تأليف د. عبدالله الصالح العثيمين ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

كانت تلك اللاءات الثلاث المُقدَّرة هي ما تَقـرَّر في مؤتمر القمة العربية في الخرطوم عام 1967م؛ وهي: لا مفاوضـات مع دولـة الصهاينة المغتصبة، ولا اعتراف بشرعية وجودها على الأرض العربية، ولا سلام معها. وأشرت في تلك المقالة إلى أن تلك اللاءات الثلاث المُقدَّرة أُصِيبت؛ واحدة بعد أخرى، بهشاشة العظام إلى أن وافاها الأجل المحتوم. وكانت بداية تلك الهشاشة قد حدثت عند نهاية حرب 1973م، التي برهن فيها المقاتل العربي على الجبهتين المصرية والسورية على عظمته؛ بسالة وعزماً، لكنها انتهت النهاية التي يعرفها الكثيرون مع الأسف الشديد.

ثم جاء انكسار العمود الفقري من جسد أُمَّتنا نتيجة تلك الهشاشة بالعظام بخروج مصر العظيمة - بكل ما لها من ثقل مادي ومعنوي - من ميدان المواجهة مع دولة الصهاينة باتِّفاقية كامب ديفيد عام 1979م؛ وهي الاتِّفاقية، التي عَدَّها عدد من زعمائهم - وقد صدقوا وهم كاذبون - أكبر انتصار لهم بعد قيام دولتهم، عام 1948م، على أرض فلسطين. ومن المعروف والثابت أن عدداً من رجال السياسة في مصر - بينهم وزير خارجيتها الذي كان مع الوفد المفاوض في الكامب - كانوا ضد بعض بنود تلك الاتِّفاقية، وأن الرئيس الأميركي، جيمي كارتر الراعي للمفاوضات، قد حاول أن يبدي الرئيس المصري موقفاً أقوى من الموقف الذي أبداه؛ محاولة منه أن يقتنع زعماء العرب الآخرون بما يتوصل إليه، لكن تأثير أناس مثل التهامي كان الأقوى، فحدث ما حدث.

ولم يتأخر ظهور النتائج المُضرَّة بالأُمة لانكسار ذلك العمود الفقري من جسدها طويلاً. فكان من تلك النتائج أن تَجرَّأ الصهاينة، بعد ثلاث سنوات فقط، على اجتياح لبنان والوصول إلى عاصمته بيروت حيث ارتكبت مجزرة صبرا وشاتيلا دون أن يَتحرَّك أَيُّ عضو من ذلك الجسد المنكسر عموده الفقـري. وانجرَّ من انجرَّ إلى مستنقع حرب كان طرفاها المباشران العراق وإيران، وأهلكت من أهلكت من نفوس كثيرة، كما استنفدت ما استنفـدت من أموال طائلة، وخَلَّفت ما خَلَّفت من أحقاد وضغائن ما تزال آثارها ماثلة للعيان. ثم جاءت فعلة صدام التي فعلها وهو من الضالين المجرمين؛ وذلك بعدوانه على الكويت واحتلالها. وكان من نتائج تلك الفعلة الضالة الإجرامية أن حطَّمت أميركا قوة العراق التي كانت - كما قال جيمس بيكر، وزير خارجية تلك الدولة حينذاك - الخطر الاستراتيجي الحقيقي على الكيان الصهيوني، وجُرَّ قادة العرب إلى مؤتمر مدريد. وبينما كان الوفد الفلسطيني في ذلك المؤتمر يُحقِّق نصراً إعلامياً ضربته القيادة الفلسطينية من الخلف بإجراء مفاوضات أوسلو، التي عجب رئيس وزراء ذلك الكيان، رابين، من ضعف الموقف الذي أبداه الفلسطينيون فيها. وبذلك وَقَّعوا على بنود اتِّفاقية اتَّضح - فيما بعد - أنها أوجبت عليهم أن يقفوا مع الصهاينة ضد أَيِّ مقاومة فلسطينية. والمتأمل فيما جرى منذ توقيع تلك الاتِّفاقية يرى ذلك رأي العين.

وما وصل إليه من وَقَّعوا على بنود اتِّفاقية أوسلو من مواقف تدمي قلوب المخلصين من أُمَّتنا لقَضيَّة فلسطين، وتشمت أعداءها بها، أمر مشاهد معروف. وقبل ثلاثة شهور أعلن أحد أقطاب السلطة الفلسطينية ثلاث لاءات جميلة في ظاهرها؛ وهي: لا تنازل عن وجوب انسحاب إسرائيل - دون ذكر أنها عدو بطبيعة الحال - من الأراضي المحتلة عام 1967م بما فيها القدس، ولا تنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ وهو حق أَقرَّته الأمم المتحدة، ولا اعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. وهذه اللاءات الثلاث هي أَقلُّ ما يمكن أن يطالب به أركان السلطة الفلسطينيـة؛ وبخاصة بعد أن حُذِف من ميثاق منظمـة التحريـر ما حُذِف، وبعد أن آلت أمور المنطقة بعامة وأمور الفلسطينيين بخاصة إلى ما آلت إليه.

وفي كتابتي عن لاءات السلطة الفلسطينية الثلاث أشرت فيها إلى أن لاءات مؤتمر الخرطوم الثلاث المشهورة قد أصبحت أثراً من آثار أُمَّتنا عندما كان لديها كرامة ينظر إليها الكثيرون باحترام وتقدير، وسألت: هل يثبت أركان السلطة الفلسطينية أنهم لن يتنازلوا عما يُصرِّحون به الآن من اللاءات الثلاث الجديدة؟ وكانت محاولتي الإجابة عن ذلك السؤال باختصار ما يأتي:

بالنسبة للاء الأولى؛ وهي لا تنازل عن وجوب الانسحاب الصهيوني من الأراضي المحتلة عام 1967م، للمرء أن يسأل: هل بقي في الضفة الغربية إلا أوصال مقطَّعة يزداد فيها يومياً انتشار أورام المستعمرات الاستيطانية؟ وهل هناك من يجهل أن الصهاينة، الذي ضَمُّوا القدس رسمياً إلى دولتهم، ماضون في إكمال تهويدها؟. إن زعماء الصهاينة؛ ابتداء من هرتزل، ومروراً ببن جوريون، وانتهاء بالمتربِّعين الآن على كرسي الحكم الصهيوني، قد أعلنوا أن ذلك التهويد هدف لا تنازل عنه، وأن معاول الهدم لا بد أن تقضي على أساسات المسجد الأقصى.

أما بالنسبة للاء الثانية؛ وهي لا تنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، فالمعروف أن زعماء الصهاينة - وهم الجانب الأقوى المتفرعن المتغطرس - يرفضون ذلك الحق رفضاً تاماً، وأن قادة أميركا يدعمونهم دعماً غير محدود في هذا الأمر. ومن المشكوك فيه جداً - وفق ما هو جار مشاهد - عدم استسلام الأضعف لما يريده ذلك الأقوى المتغطرس المدعوم أميركياً.

الصفحات