كتاب " في الحديث الشريف والبلاغة النبوية " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن
قراءة كتاب في الحديث الشريف والبلاغة النبوية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربِّ العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فهذه فصول وجيزة عن الحديث النبوي، والبلاغة النبوية، كتبتها لطلاب قسم اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة اللاذقية، عندما كنت أدرِّس مقرر الإعجاز القرآني والبلاغة النبوية في تلك الكلية، وذلك في السبعينات من القرن الماضي.
لقد كنت عظيم السعادة بتدريس هذا المقرر في تلك الكلية، وأعتقد أن الطلاب أيضاً كانوا سعداء بدراسته، فعلى الرغم من أن بضاعتهم في تلاوة القرآن والاطلاع على الحديث النبوي كانت مزجاةً، إلا أن حسّهم الأدبي كان شديد التفاعل مع كل منهما..
لقد كان مساءُ السبت من كل أسبوع، ميقاتاً محبَّباً منتَظَراً مني ومنهم على السواء، نتذوق خلاله بلاغة القرآن في عجيب سبكه وعظيم تأثيره، ونستبين جلال الربوبية في حواراته المتنوعة للإنسان، حتى إذا هيمنت علينا أجواء أُنْسِه ممزوجةً بجلال قُدسه، تحولنا إلى الحديث عن أدب النبوة، ورحنا نصغي إلى البيان الذي يتسامى على الحوشي الثقيل من نثر العرب آنذاك وشعرهم، ونستبين من خلال ذلك صفاء نفس المصطفى صلى الله عليه وسلم ورقّة طبعه، وسموّ ذوقه، وبليغ تبيانه، ومظاهر الفرق بين البلاغة النبوية والقرآن.
خلال تلك الأمسيات الأسبوعية، توطدت معرفتي بمدينة اللاذقية، وكثير من أهلها. وما ليلةٌ تمرُّ من تلك الأمسيات في أعقاب محاضراتي القرآنية والنبوية، إلاّ وأُدعى فيها إلى سهرة في دارٍ واسعةٍ عامرة لعميد أسرة ساعي، مع ثلة من كرام الشخصيات، في مقدمتهم الدكتور بسام ساعي وإخوته، والدكتور محمد خير حلواني عميد كلية الآداب رحمه الله، والدكتور محيي الدين رمضان وبعض وجهاء المدينة..
ولقد أعجبت ولا أزال بأسرة «ساعي» هذه التي تغلغل في نفوس أفرادها حب الأدب والشعر، وتمركزت العبقرية العلمية المبدعة في أفكارهم ونفوسهم جميعاً.
لقد كانت تلك الأمسيات أسماراً، بل ندوات شعرية أدبية علمية دينية فكاهية، تمتد إلى الهزيع الأخير من الليل، ولقد كنت أحسبها من فيض الأنشطة الواسعة المتميزة التي تتحلّى بها آنذاك كلية الآداب، التي كنت أراها الدعامة الأولى بل الكبرى لجامعة اللاذقية. ولقد كنت واحداً من أقطابها المدرسين الذين واكبوا نشأتها.
والحق أنها وُلِدَت، خلافاً للمألوف، مزدانةً في مرحلة القوة والشباب!.. ولا ريب أن الدكتور محمد سليم ياسين الذي كان أول مدير لها، قد أولاها من جهده ووقته وفكره وسائر طاقاته، ما جعلها تتخطى مرحلة الضعف والطفولة، مستقرة في أوج الشباب مباشرة.
لقد كان تدريسي لمقرر البلاغة القرآنية والنبوية في كلية الآداب من جامعة اللاذقية، وما كان يتلوه من الأسمار والندوات الأسبوعية مع ثلة من كبار وكرام العلماء والأدباء والمثقفين، خلال العقد السابع من القرن الماضي، مَعْلَمةَ أنس متميزة أظل أذكرها ولا أنساها من حياتي، لم يغيبها عن الفكر ظلال النسيان، ولكن طوتها أحداث مفاجئة فرّقت ولم تجمع، فككت ولم تبْنِ، أفسدت ولم تصلح.
وهكذا انفضّ السامر، وطويت المرحلة، وغاض الأنس، وانقطعت سلسلة اللقاءات والمحاضرات.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
سمير ولم يسمر بمكة سامر
* * *