قراءة كتاب في الحديث الشريف والبلاغة النبوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في الحديث الشريف والبلاغة النبوية

في الحديث الشريف والبلاغة النبوية

كتاب " في الحديث الشريف والبلاغة النبوية " ، تأليف محمد سعيد رمضان البوطي ، والذي صدر عن

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6

وفي عهد التابعين، وهم الذين رأوا الصحابة ولم يروا النبي ، شاعت كتابة الحديث، فأقبل إلى كتابته كثير منهم، ومن أشهرهم الحسنُ البصري، والشعبيُّ، وسعيدُ بن جبير، وعبد الرحمن بن حرملة، وهمّام بن منبه..

إلا أن الكثير من هؤلاء كانوا يجمعون مع الحديث ما أُثِرَ من أقوال الصحابة وفتاواهم، فلما تولى الخلافةَ عمرُ بن عبد العزيز، كتب إلى علماء الأمصار وحفاظ الحديث يأمرهم بجمع الحديث مجرداً عن غيره. فكتب إلى أبي بكر بن حزم، وكان في المدينة: انظر ما كان من حديث رسول الله  فاكتبه، فإني خفت دروس العلم والعلماء. ونهض أبو بكر بن حزم بما كلفه به عمر بن عبد العزيز، إلا أنه لم يفرغ من عمله في ذلك إلا بعد وفاة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.

ثم إنه أخذ يظهر بين المشتغلين بالحديث من هو ضعيف الفهم أو سيئ الحفظ أو من يتستّر بالإسلام ويُبطن الكيدَ له، فنجم عن وجود هؤلاء ظهورُ أحاديثَ نُسبت إلى رسول الله  دون أن يكون للحفاظ المحققين علم بها، فرأوا أن من واجبهم - حفظاً لأحاديث النبي  - أن ينبهوا الناس إلى هذه الأحاديث المدسوسة، وأن يكشفوا لهم عن حال رواتها، من ضعف في الذاكرة، أو سوء في القصد، أو زندقة في القلب.

ثم وضعوا للحديث قواعد راسخة، كما ضبطوا فن الرواية بشروط دقيقة قاسية من شأنها أن لا تدع أي ثغرة قد يَتسلل منها إلى حديث رسول الله  ما هو مكذوب عليه.

ولا يفوتُك أن الأمرَ الذي اقتضى ضبطَ هذا الفن بالقواعد والشروط، هو الأمر ذاته الذي اقتضى ضبطَ العربية ولسانها بالقواعد والأحكام.

وسنَعْرض في هذه المقدمة لبيان شيء من هذه القواعد إن شاء الله.

ولم يلبث هذا النشاط أن تطور صُعُداً في طريق من التنظيم والتنسيق. فبعد أن كان أهل الحديث يَجْمعون الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس، دون تنظيم أو تنسيق، أصبحوا يرتبون الأحاديث على الأبواب وحَسَب المواضيع. إلا أن الكثير منها كان يضم مع الحديث، الكثيرَ من فتاوى الصحابة وأقوالهم، كما يتجلى ذلك في كتاب الموطأ للإمام مالك.

ثم رُئيَ أنْ تُفرَدَ أحاديث النبي  في مؤلفات خاصة، لا يمتزج بها غيرُها من أقوال الصحابة وفتاواهم.

وفي خلال القرن الثاني وأوائل القرن الثالث ظهرت مدوَّناتٌ لحديث رسول الله  مختلِفَة في الطريقة والمنهج وكيفية الاستقصاء. وهي في مجموعها تنقسم إلى ما يسمى بالمسانيد، والصحاح، والسنن، والمعاجم. وسأشرح كلاًّ منها بكلمة موجزة وأعرّفك عليها أو على نماذج منها، وأحيلك في تفصيل ذلك كله إلى المراجع الخاصة بهذا الفن:

( المسانيد ) هي المدوَّنات التي اتَّبع أصحابها في استقصاء الأحاديث، ما رواه كل صحابي عن رسول الله  بقطع النظر عن المواضيع والأبواب المختلفة، فأحاديث المسانيد منسَّقة حسب أسماء الصحابة واحداً إثر آخر، لا حسب الموضوعات وتقسيمها إلى أبواب.

وأول من ألف المسانيد أبو داود الطيالسي (133 - 204هـ) وأشهر المسانيد وأوفاها وأوسعها مسند الإمام أحمد بن حنبل (164 - 241هـ) وهو مطبوع متداول.

الصفحات