كتاب " صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا) " ، تأليف د.
قراءة كتاب صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

صورة المجتمع الأندلسي في القرن الخامس للهجرة (سياسيا واجتماعيا وثقافيا)
اسباب الفتنة
أ- العوامل الكامنة:
1. طبيعةالمجتمع الاندلسي المتباين الاجناس والعناصر وانقسامه الى مناطق نفوذ وقبائل منذ السنوات الاولى بعد الفتح, والصراع المستمر على تقسيم الاراضي مما ادى بالخليفة عمر بن عبد العزيز(99-101هــ) ان يقرر الانسحاب الكامل من الاندلس لولا الصعوبات التي اعاقت تنفيذ ذلك, فارسل احد اعوانه الى الاندلس للسيطرة على الوضع و اعطاء القادمين الجدد من اراضي الخمس المخصصة للدولة ([82]) فضلا عن الصراع بين البلديين من العرب و البربر من جهة و مع القادمين الجدد من جهة اخرى و الصراع مع السكان المحليين من الاسبان, و هذا يفسر كثرة الثورات و التمردات التي كانت تواجه امراء الاندلس و خلفائها.
2. البربرمن قبيلتي صنهاجة و زناتة الذين استقدمهم المنصور بن ابي عامر ليلحقهم بجيشه لمحاربة الممالك الاسبانية الشمالية, و عدم تأقلمهم مع المجتمع الاندلسي, حيث ظلوا غرباء ليس لهم حرفة غير حمل السلاح.
3. تذمر الفئة الكبرى من المجتمع من استبداد العامريين بالحكم, فانقسم المجتمع الى فريقين فريق التف حول بني عامر و فريق تجمع حول بني امية ينظرون بغيظ وتذمر الى استئثار العامرين بالسلطة وفصلهم بين السلطة الروحية للخليفة و السلطة المركزية المتمثلة بالحاجب المنصور([83]) .
ب- العوامل المباشرة:
1- اختيار الحكم المستنصر ابنه هشام المؤيد لخلافة المسلمين, وهو لم يبلغ الحلم, فضلا عن عدم توفر شروط القيادة فيه,وقد وصفه الحجاري صاحب المسهب بجمود الحركة وضعف في العقل ([84]).
2- ضعف عبد الرحمن بن ابي عامر الملقب بشنجول وعدم ادراكه لخطورة توله ولاية العهد وخروجه الى محاربة الاسبان في الشمال في ظروف سياسية ومناخية غير ملائمتين فضلا عن استهتاره ومــيله الى الخلاعة والمجون ([85])
3- ضعف رابطة الدين الاسلامي بينهم وانتشار المجون والخلاعة والخمرة نتيجة لتكدس الاموال وكثرة الجواري والغلمان وانحسار الغيرة على الاسلام ومما رواه ابن عذاري ان رجلا نصرانيا وقف في وسط قرطبة ونال من الرسول الاعظم من غير ان يرد عليه احد او يز جره ([86]).
4- الأستعانة بالاعداء من النصارى الاسبان مقابل التنازل عن الثغور والمدائن, وفتح ابواب الاندلس لهم لمعرفة قضايا هذه الدولة واسرارها. وتدخلهم في الشؤون الداخلية, والاحتكام اليهم وطلب المرتزقة منهم.
5- الدور السلبي للمجتمع الاندلسي في التصدي لروؤس الفتن وتمادي بعضهم في التحريض على القتل وسفك الدماء, فابن شهيد ابو عامر حرض الخليفة الاموي هشام المعتد بعد مقتل وزيره عبد الرحمن الخياط الى الثأر له وعدم الاكتفاء بقتل القتلة ([87]).
ألحق به اخوانه فحياتهم
نكد وقد أودى أخو السفهاء
6- غياب القائد والادارة القادرة على الحسم في الوقت المناسب ([88]) وانغماسهم في الخلاعة والشرب والمجون.
اما نتائج الفتنة فيمكن حصرها في النقاط التالية:
1- الخراب والدمار في كل مكان ولا سيما قرطبة التي كانت جنة الله في الارض كما وصفها ابن حوقل قبل الفتنة قائلا (( هي اعظم مدينة بالاندلس, وليس بجميع المغرب لها عندي شبيه في كثرة اهل وسعة محل وفسحة اسواق, ونظافة محال, وعمارة مساجد وكثرة حمامات وفنادق )) ([89]) فتحول سريعا الى مدينة للأشباح وأزيلت معالم مدينتي – الزهراء والزاهرة – وقد رثاها الشعراء بكثرة منهم ابن شهيد ([90]): -
فلمثل قرطبة يقل بكاء من
يبكي بعين دمعُها متفجرُ
وقوله:
يا جنةًً عصفت بأهلها
ريح النوى فتدمرت وتدمروا
ونقل لنا ابن عربي ابياتا قال انه قراَها على بعض جدران الزهراء بعد خرابها ([91]): -
ديار باكناف الملاعب تلمعُ
وما ان بها من ساكن وهي بلقع
ينوح عليها الطير من كل جانب
فيصمت احيانا, وحينا يرجع
فخاطبت منها طائرا متغردا
له شجن في القلب وهو مروع
فقلت على ماذا تنوح وتشتكي
فقال: على دهر مضى ليس يرجــع
ولم يقتصر الخراب على قرطبة و انما شمل مدنا اخرى بنسب متفاوتة, فأبو اسحاق الألبيري صور خراب مدينة – البيرة – في جنوب الاندلس في قصيدة موثرة ([92]).
2- انحلال السلطة المركزية وحل الجيش النظامي وتفرقه, وسيطرة الطامعين من اصحاب السيوف والخارجين عن القانون على المدائن وتقسيم البلاد الى مناطق نفوذ وسيطرة في حروب طاحنة من غير توقف رغم دعوات الشعراءوالمصلحين في نبذ القتال والاحتكام الى العقل.فابن دراج الذي اشتهر بالمدح سقم الوضع واخذ يدعو الى الامان والصلح ([93]): -
وقلت لعاً للعاثرين كأنَه
نشورا لقوم حان منهم وقد حانوا
وقد امن التثريب اخوةُ يوسف
وادركهم لله عفو و غفران
وحنت لداعي الصلح بكر وتغلب
وشفعت الارقام عبس وذبيان
وفازت قداح المشتري بشعودها
وسالم بهرام واعتب كيـــــــــــــوان
3- الهجرة ورحيل العلماء والادباء من مراكزالمدن الكبرى الى مناطق اكثرامنا داخل الجزيرة وخارجها, فابن شهيد ابو عامر يصور حاله قائلا ([94]): -
ادور فلا اعتام غير محاربٍ
واسعى فلا القى امرءا لي يسالم
4- الفقر والعوز وانتشار المجاعة والامراض والاوبئة وكثرة الضرائب والاتاوات وتوقف النشاط الاقتصادي والزراعي, فابن دراج يوضح ذلك من خلال وصفه لما حل به حين انجلى عن اهله: -
تقسًَمهنَ السيف والحيف والبلى
وشطَت بنا عنها عصورٌ وازمان
كما اقتسمت اخدانهنًً يد النوى
فهم للردى والبر والبحر اخوان
اذا شرَق الحادي بهم غربت بنا
نوى يومها يومان والحين احيانُ([95])
5- الانحلال الاجتماعي وانتشار النفاق والرياء وتفكك الروابط بين الناس,وتفشي الجريمة وقطاع الطرق وانقسام الناس الى طوائف متباغضة, في ذلك يقول ابن بسام ((... شذ قوم من اهلها على حال... فاصبحوا طرائد سيوف وجلاء حتوف, قد خلعهم لين العيش على خشنة واسلمتهم غفلات الزمان الى محنة, يلوذون بافاق هذه الجزيرة المنكوبة... )) ([96])
6. فقدان ثغور ومدائن مهمة ولاسيّما المسلمّة من قبل قطبي الفتنة المهدي والمستعين وسقوط مناطق اخرى لعدم وجود مدافعين منظمين عنها بعد انحلال الجيش.
7. تدخل النصارى في الامور الداخلية ومشاهدة جنودهم و مرتزقتهم علناً في المدن والقرى يسرقون وينهبون ويقتلون.
وقد أجاد ابن شهيد في وصف الفتنة قلائلاً ([97])::
مِنْ فِتْتَنةٍ قد اسلبتْ
ظُلماتُها بيّد المظالمْ
عَمَهتْ لها احلامُنا
وكأنّها أْضغاثُ حالمْ
وتَضاءلتْ أجرامُنا
فيها بموبَقةِ الجرائمْ
وتحوَّلَت ْفينا الذُنا
بي فيها بموبقةِ الجرائمْ
وأدارَ كلُّ صغيرِ قد
رِ المنتهى أرْحي العَظالمْ
فكانُنا عُمَي نسا
قُ على العِمى في ظلِّ عاتِمْ