قراءة كتاب الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

الغضب الإسلامي - تفكيك العنف

كتاب " الغضب الإسلامي - تفكيك العنف " ، تأليف د.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
الصفحة رقم: 5

(3)

بهذا المنهج في ظني يتعين علينا أن نبحث فكر الحركات الإسلامية، وخاصة فكر الحركات التي اتخذت العنف سبيلاً لها في العقود الأخيرة، وذلك لنرى ما هو وارد من المرجعية الفكرية لها، وما هو وارد من رؤيتها للواقع المعيش، نبحث ذلك ثم ننظر من بعد في تقدير الصواب والخطأ في هذا الموقف أو ذلك.

والحاصل أن تَجَادَلَ الناس والمفكرون في فكر هؤلاء بمعيار شبه وحيد يتعلق بالصواب والخطأ الفكري في إسناد تأويلات هذه الحركات للمصادر الإسلامية، ودون اهتمام ذي شأن بما يبين من وجهة نظرها في رؤيتها للواقع الذي عاشته أو تعيشه. وجاء جدالهم في ذلك كما لو أن الفكر الإسلامي من مصادره الأساسية إلى تأويلاته المذهبية، إنما يتعين أن يفضي إلى رأي وحيد في كل أمر، حتى إن كان ذلك لا يتعلق بما هو قطعي الثبوت وقطعي الدلالة، حتى إن كان لا يتعلق بما عرف من الدين بالضرورة، وأجاز كلٌّ لنفسه أن يقول: «إن الإسلام يقول كذا..» غير مبال بمدى سعة النصوص في إمكان اشتمالها لأكثر من رأي في المسألة الواحدة، وغير واضع في الاعتبار ما عسى أن يحدثه اختلاف الوقائع وتغير السياق الزماني والمكاني للأحداث من أثر في وجهات النظر الآخذة من الأحكام العامة لفقه الإسلام.

إن رجل القانون والفقه عامة يصدر - عادة - في تقرير الأحكام عن النص وحده، ويطبقه على الحالة المعروضة عليه في طلب فتوى أو طلب حكم قضائي. وهو في عمله الفني هذا ينظر في الواقعة المعروضة عليه، ويتحقق من وجوه ثبوتها ثم يُجري تكييفاً قانونياً لها، أي يقيم تصوراً قانونياً لها، أي يورد لها وصفاً من مفاهيم الفقه والقانون، ثم يختار النص الذي يطبق على هذه الحالة.

وغالب خلافات رجال القانون - فيما أرى - ترد لا من جانب اختلاف في فهم دلالات النص، ولكنها ترد من جانب تقدير الواقعة وإطلاق الوصف الفقهي والقانوني عليها، توطئة لاختيار النص الذي يتناسب إنزاله مع هذه الواقعة.

ولا ترد مشكلة حقيقية في اتباع هذا المنهج، إنما ترد المشكلة مما يحدث في الوعي الثقافي من بعد، إذ يجري تجريد الرأي الفقهي المُبدى عن ملابسات الواقعة التي تَشَكّل الرأي بشأنها، وتعرض وجهة النظر عرضاً فقهياً نظرياً مبتوت الصلة بكونها نتجت من تلاقح واقعة معينة مع نص محدد، وينسب الرأي إلى النص وحده، ثم ترد بعد ذلك اختلافات الآراء في فهم النص الواحد بحسبانها اختلافات رأي بين صواب وخطأ فقط، دون نظر في أوضاع المفارقة بين كل اجتهاد والاجتهاد الآخر، مما كان سببه ما يسمى باختلاف الزمان والمكان، أي الاختلاف في النظر إلى الوقائع التي جرى كل اجتهاد بشأنها.

إن كثيراً من مفكري الإسلام وقفوا عند هذا الأمر ونظروا فيه واعتبروا به، ومن أهمهم مثلاً ابن قيم الجوزية عندما أورد حالات كثيرة في «إعلام الموقعين» عن اختلاف الفتوى باختلاف الزمان والمكان، وكذلك أبو إسحاق الشاطبي عندما تكلم في «الموافقات» عن مقاصد الشريعة وعن «مآلات» الأحكام. وكان ذلك مما أفضى إلى فقه تقترب استطراداته هذه إلى ما نسميه اليوم بعلم الاجتماع القانوني وبعلم اجتماع المعرفة. ولكن بقي جمهور المتعاملين مع النصوص والأحكام لا يعترفون بهذه الجوانب المعرفية في رصدهم لهذه الجوانب من اختلافات التطبيق للنصوص. وهم يخضعون لضغوط الواقع وأحداثه ونوازله في فهم النصوص واستخلاص الأحكام، ولكنهم لا يعترفون بهذا الخضوع، أو بعبارة أدق لا يُدْخِلون هذا الأمر في منهج فهمهم للأحكام والاجتهادات المختلفة.

وفضلاً عن ذلك فإن ذوي الثقافة الغربية من أبناء بلادنا، الذين لم تتوافر لهم مناسبات فهم أحكام الإسلام ومناهج تفسيرها وممارسة هذه المناهج، لم يستطيعوا أن يتبينوا أثر الاختلاف في رؤية الواقع وتوصيفه، أثر ذلك في الرأي المُبدَى، فنسبوا كل ما يرونه مخالفاً لوجهات نظرهم، نسبوه إلى النصوص وأرجعوه لقدمها وأنها يتعين أن تتغير وإلا فلا. ولم يستطيعوا أن يدركوا أن صلة النص بالوقائع هي إشكالية تُقابل المتعاملين بالنصوص جميعاً عند تطبيقها على الوقائع والنوازل، سواء كانت هذه النصوص نصوصاً دينية ثابتة أو كانت نصوصاً وضعية من صنع البشر.

الصفحات