كتاب " الغضب الإسلامي - تفكيك العنف " ، تأليف د.
قراءة كتاب الغضب الإسلامي - تفكيك العنف
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مُقَدْمة
شكّلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م صدمة عالمية أثارت جدلاً كبيرًا على المستويات كافة، الثقافية منها والسياسية والدينية والفكرية، ونشطت في ظل ذلك العديد من المقولات والصور النمطية، كما أحدثت انقلابًا في العلاقات الدولية وبناء التحالفات وتحجيم عدد من المفاهيم التي تعارف عليها النظام الدولي ما قبل ذلك التاريخ، ولعل من أبرزها مفاهيم السيادة الوطنية واستقلال الدول وتحديد العدو الذي تقوم فكرة الحروب الدفاعية ضده، وغير ذلك حتى تحولت الحرب إلى حرب أفكار، والحروب الدفاعية إلى حروب استباقية، ومن ثم فقد أحدث ذلك وما نتج عنه تغيرات كبيرة على مستويات عدة. فعلى المستوى الثقافي والفكري نشطت مقولات الطبيعة الثابتة للإسلام، وللعرب كذلك، وتم استحياء الإرث العدائي - الذي ساد في ظل الحروب الصليبية - ضد الإسلام، وفي المقابل شهدنا حضورًا كثيفًا لمقولة الحرب الصليبية على الإسلام، التي يتزعمها "الغرب"، الأمر الذي استدعى إحياء تلك التصورات السلبية عن الغرب، بعمومه، الذي يبدو في المخيلة العامة كلاًّ متجانسًا ويخوض حروبًا دينية تجاه الإسلام!.
المحور الذي دار من حوله كل ذلك الجدل وتلك التغيرات، كان - ولا يزال - هو موضوع الإرهاب والعنف، وبسببٍ منه دار جدل كبير حول تجديد الخطاب الديني وتعديل مناهج التعليم في عالمنا الإسلامي، وإعادة بناء التسامح وغير ذلك. ومع أنه كُتب الكثير عن العنف والإرهاب، فإن الموضوع لا يزال بحاجة إلى رصد وتحليل وفق منهجية مختلفة عن ذلك كله، منهجية مركبة تقوم على تفكيك المفهوم نفسه، وتشريحه لإظهار مكوناته جميعها، وفحصها ودرسها، ورصد مراحل تشكلها وعوامل تشكيلها، والتفاعلات التي نشأت من حولها، وكيف تمت قراءتها؟ سواء في العالم الإسلامي أم في العالم الغربي، وفي سؤال المفاهيم يكمن الكثير من المشكلات، ومن ثم فقد حظي ذلك باهتمام بارز في هذا الكتاب، بدأ بتحرير مفهومي الحرب والجهاد والفوارق القائمة بينهما، ثم الجهاد والعنف، ومشكلات الوصل والفصل بينهما، وصولاً إلى الحديث عن عبثية جهاد تنظيم القاعدة الذي تسبب في كثير من هذا الجدل.
والأمر لا يقتصر على مشكلة المفاهيم - على مركزيتها - بل يتعداه إلى موضوع الجهاد وتطبيقاته في العالم المعاصر، وتحديدًا كيفية تطبيقه في ظل الدولة الحديثة، والمشكلات التي تحيط به جراء مَوْضَعَته في بناء مفهومي وسياق يكاد يكون مختلفًا كليًّا عن البيئة التي تَشَكل فيها وشكلت رافدَ فاعليته وأحكامه، فكيف يمكن تطبيقه في ظل الدول القطرية، بعد أن كان مرتهنًا لمفهوم "دار الإسلام" الواحدة؟ وكيف يتم تنظيمه في ظل إدارة تلك الدولة العلمانية في الأعم الأغلب، والتي ترتهن لنظام دولي يديره ويهيمن عليه تلك الأطراف التي يشكّل بعضها هدفًا لموضوع الجهاد نفسه؟ بل كيف يمكن تطبيقه في ظل التحولات التي طرأت على قيادة الدولة القطرية ووظيفة الدين فيها، ومع اختلاف وسائلها وبناء تحالفاتها ورسم الحدود القطرية ومفاهيم السيادة والاستقلالية التي تمركزت حول المصالح الخاصة بتلك البقعة الجغرافية فقط على حساب ما كان يعرف قديمًا بالأمة الإسلامية على المعنى السياسي.
تلك التعقيدات دفعت إلى نشوء الجهاد ضد الداخل أولاً كمقدمة للجهاد ضد الخارج لدى فئة من تلك الجماعات العنفية، في حين انشغل بعضٌ آخر بجهاده العالمي العابر لتلك الحدود القطرية المصطنعة، والتي لا يعترف بها، ويتحرك بناء على مفهوم "الأمة الإسلامية" سياسيًّا وعقديًّا، لكن بعضًا ثالثًا ذهب إلى إجراء تعديلات على مفهوم الجهاد نفسه، فنشأ ما سُمي بالجهاد المدني والذي يبدو قولاً مبتكرًا من جنس النظام الجديد الذي يقوم على فكرة الدولة القطرية. وقد خصصنا لبحث هذا فصلاً خاصًّا.