كتاب " في مواجهة الأمركة " ، تأليف د. محمد أحمد النابلسي ، والذي صدر عن دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع .
أنت هنا
قراءة كتاب في مواجهة الأمركة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في مواجهة الأمركة
مقدمة
تحت إعلان النظام العالمي الجديد ترجمت الولايات المتحدة تفردها قطباً أوحد باصطناع حرب العراق الأولى. بما يذكرنا بإصطناعها للحرب الكورية في الخمسينيات. مع فارق غياب الاتحاد السوفياتي الذي أتاح للولايات المتحدة جني ثمار تلك الحرب دون منازع. بعدها طرح الأميركيون مصطلح العولمة بدلالته الاقتصادية (عولمة اقتصاد السوق الأميركية) بدعم نموذج "النمور الآسيوية" مثالاً على الأرباح التي تجنيها الدول النامية إذا هي انخرطت في نظام السوق. وهكذا هرولت دول عديدة نحو العولمة لتكتشف لاحقاً عبثية هذه العولمة والخسارة الناجمة عنها، ولكن بعد فوات الأوان. ثم جاءت حجة الدفاع عن القيم الغربية المتجلي في حرب كوسوفو. حيث لم تكن اعتراضات ميلوسوفيتش على شروط السلام الأميركية سوى اعتراضات شكلية. لكن الوسيط أميركي ترجمها رفضاً. بما يعكس نية أميركية مبيتة على شن حرب جديدة. لكن قيادة كلينتون لتلك الحرب كانت أقل صلفاً وتحدياً للمشاعر من سابقه بوش الأب. فقد خاض كلينتون تلك الحرب من دون استخدام أسلحة ذات ثمن استراتيجي ليكتفي بصواريخ التوما هوك. وليخرج من تلك الحرب بفائض في الميزانية الأميركية يبلغ 115 مليار دولار. وهو أضاف إليها تعديل استراتيجية الحلف الأطلسي. وهو تعديل حول الحلف من الدفاع إلى حق التدخل في المناطق التي توجد فيها مصالح لدول الحلف. هذا التعديل الذي انتزع من الأمم المتحدة دور تقرير السماح أو عدمه بالتدخلات العسكرية في مناطق محددة في العالم (حددتها اتفاقية التعديل، وضمت الشرق الأوسط، وشمال إفريقية والقوقاز). بحيث باتت الولايات المتحدة طليقة اليد في تلك المناطق بمجرد إعلانها عن وجود مصالح لها فيها. وابتلع الأوروبيون الطعم بفضل دبلوماسية كلينتون ومرونته. حيث منحهم حق التدخل في شمال إفريقية وهي منطقة شديدة الحساسية لدى أوروبة. إضافة إلى ربط التدخل الأميركي بموافقة أطلسية. لكن ووكر بوش،بذريعة 11 أيلول / الحرب على الإرهاب، تجاوز الأمم المتحدة ودول الأطلسي ليشن حربه العراقية غير آبه بكل المعارضات العالمية لتلك الحرب. بما اعتبر إعلاناً صريحاً عن إطلاق مشروع أمركة العالم. حيث تتقدم المصالح الأميركية على كل الاعتبارات. من الأمم المتحدة إلى الحلف الأطلسي مروراً بالرأي العام العالمي والتكتلات الإقليمية وحتى أصدقاء أميركا السابقين.
لقد أظهرت أميركا بوش جملة انفجارات هوسية، وزعت عدوانيتها في جميع الاتجاهات مطلقة شعار الأمركة. بدلالة الأفضلية العالمية لخدمة المصالح الأميركية على أي اعتبار آخر. حيث مورست العدوانية الأميركية على الأصدقاء مثل فرنسة وألمانية وإسبانية والبرتغال وبريطانية الحليفة وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي. إضافة للأصدقاء العرب المزمنين مثل السعودية والى روسية وغيرها. حتى أمكن القول بأن بوش أفقد أميركا أصدقاءها؟!.
الأمركة بهذا المعنى هي فعل اعتداء ناجز، ومخالفة صريحة للشرعية الدولية وللأحلاف. وهي من ثمّ جريمة. فمن المستفيد من هذه الجريمة؟. المواطن الأميركي اكتشف فجأة أنه غير آمن (بمناسبة 11 أيلول وعقابيله). وهو يعيش أزمة اقتصادية تهدد مدخراته ورخائه وتعويضات تقاعده وتهديدات عجز في ميزانية بلاده بلغ حدود ال 455 مليار دولار. ومن ثمّ فإن هذا المواطن غير مستفيد!؟. فمن المستفيد إذن؟.
إنها الشركات الأميركية الكبرى المفلسة منذ نهاية التسعينيات. والتي تحتال منذ ذلك التاريخ على مستثمريها لغاية فضائح إفلاسها عقب زلزال البورصات المصاحب لحوادث 11 أيلول. حيث لم يعد من الممكن التكتم على هذه الإفلاسات، فتم إعلانها بصورة تدريجية مدروسة. وأصبح إنقاذها وإنقاذ السوق الأميركية يقتضي جولات من السطو على ثروات الآخرين. وكان النفط العراقي، والعربي بعده، أسهل عمليات السطو وأسرعها، فكانت الحرب العراقية. وهي غير كافية لإنقاذ السوق بما يستدعي اتباعها بجملة عمليات سطو لاحقة في المنطقة (قد لا تكون عسكرية بالضرورة). ومن هنا توزيع التهديدات الأميركية على دول المنطقة من دون استثناء.
أمام هذا الطابع الجرمي للأمركة حق لنا التساؤل عن سبل مواجهة هذه الأمركة. وهو تساؤل يستند إلى مقولة صينية تعود إلى زمن حرب الأفيون. وهي تقول: «...نعلم أنكم أيها البرابرة الإنكليز قد حملتم معكم وطورتم عادات وطباع الذئاب واستوليتم على الأمور بالقوة. وفي ما عدا سفنكم القاسية ونيران بنادقكم الوحشية وصواريخكم القوية، ما هي قدراتكم؟».
وهي مقولة تستأهل الوقوف عندها بمناسبة الهياج الهوسي الأميركي الراهن. وهي مقولة ترددها بشكل أو بآخر فصائل المعارضة العراقية، وقسم لابأس به من المنظمات المصنفة إرهابية من قبل أميركا!؟.